حاله  الطقس  اليةم 15.6
موميل,الولايات المتحدة الأمريكية

تاريخ المكتبات في الحجاز

بوابة السعودية
بوابة السعودية
أعجبني
(0)
مشاهدة لاحقا
شارك
تاريخ المكتبات في الحجاز

تاريخ المكتبات في الحجاز: إرث ثقافي عريق

تعود جذور المكتبات في الحجاز، وتحديدًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى فجر التاريخ الإسلامي، وبالتحديد إلى القرن الأول الهجري. تشير المصادر التاريخية إلى أن المدينة المنورة كانت البداية، حيث جُمع القرآن الكريم في مخطوطات على الرق، ونُسخت منها مصاحف وُزعت على العواصم الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.

النشأة والتطور التاريخي للمكتبات في الحجاز

شهدت منطقة الحجاز حركة ثقافية نشطة تجسدت في تدوين الحديث الشريف، والكتابة في قضايا العقيدة الإسلامية، وتفسير القرآن الكريم. أثمر هذا عن ظهور مجموعة من الكتب التي احتفظ بها أصحابها، لتشكل النواة الأولى للمكتبة الإسلامية. مع ذلك، تعرضت معظم مكتبات الحجاز للنهب قبل العهد السعودي، بينما استمر بعضها في العمل خلاله، مثل مكتبة عارف حكمت، والمكتبة المحمودية، ومكتبة الحرم المكي الشريف، ومكتبة عبدالله بن العباس.

تاريخ المكتبات في مكة المكرمة

تكشف المصادر التاريخية عن بدايات ظهور المكتبات في مكة المكرمة، بما في ذلك إنشاء مكتبة عامة من قبل عبدالحكم بن عمرو الجمحي في أواخر القرن الأول الهجري، والتي تُعتبر الأولى من نوعها في تاريخ الحضارة الإسلامية. كما تشير إلى ظهور عدة مكتبات خلال القرون الهجرية اللاحقة، وهو ما يؤكده الأزرقي في كتابه “أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار”، حيث ذكر أن سيلاً اجتاح الحرم المكي عام 417هـ/1026م، وتسبب في تلف العديد من الكتب في الخزائن.

مكتبات مكة المكرمة في القرون الوسطى

يذكر التاريخ وجود مكتبة في القرن السادس الهجري باسم الخزانة المالكية، والتي احتوت غالبيتها على كتب في الفقه المالكي. كما يذكر إنشاء رباط في مكة من قبل ملك اليمن نور الدين بن صلاح الدين، والذي أوقف فيه نفائس الكتب، مما جعل هذا الرباط من أغنى أربطة مكة المكرمة بالمقتنيات الثقافية. أيضاً، أوقف الأمير شرف الدين إقبال بن عبدالله الشرابي العباسي في القرن السابع الهجري كتبًا في مجالات مختلفة بمدرسته المجاورة للحرم المكي.

وفي القرن الثامن الهجري، أمر سلطان بلاد فارس، شاه شجاع، بإنشاء رباط مقابل باب الصفا، وأوقف فيه مجموعة من الكتب، وأرسل خزانة كتب إلى الحرم المدني. في القرن التاسع، أوقف الشيخ أحمد بن سليمان التروجي بعض الكتب في رباط الخوزي بمكة المكرمة، وأوقف الشيخ عبدالملك الكردي الكثير من الكتب. كانت مكتبة مؤرخ مكة المكرمة تقي الدين الفاسي من أنفس مكتبات ذلك القرن. تأسست في مكة المكرمة أول مكتبة عامة منظمة، أوقفها الملك قايتباي عام 882هـ/1477م، وجعل مقرها مدرسته، وعين عليها موظفًا خاصًا، ووضع لها سجلًا لضبط كتبها.

المكتبات الأسرية والمساهمات اللاحقة

كانت لدى بعض الأسر العلمية في الحجاز مكتبات كبيرة، مثل أسرة بني فهد في مكة المكرمة، التي كانت لها مكتبة تشتمل على كتب نادرة، استفاد منها العديد من العلماء والباحثين، حيث كانت كتبها متاحة للإعارة. بعد وفاة صاحبها، أُوقفت المكتبة على أبنائه وأحفاده. في القرون العاشر، الحادي عشر، والثاني عشر، استمر إنشاء المكتبات في الحجاز، خاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. كانت للقطبي، أحد المؤرخين العرب، مكتبة انتقلت بعد وفاته إلى ابن أخيه الشيخ عبدالكريم، وبلغ مجموع محتوياتها 14 ألف كتاب.

مكتبة السلطان عبدالمجيد

في القرن الثالث عشر، أمر السلطان عبدالمجيد بإرسال خزانة كتب تحتوي على 3653 كتابًا، وضعت أول الأمر في قبة في الساحة الواقعة خلف بئر زمزم. إلا أن غالبية كتبها غرقت عام 1278هـ/1861م، نتيجة سيل. في عام 1299هـ/1881م، خُصصت القبة الواقعة فوق باب الدريبة لحفظ الكتب، فنُقلت بقية كتب السلطان عبدالمجيد إليها، وبعد ذلك ضُمت إليها الكتب التي أوقفها الشريف عبدالمطلب أمير مكة المكرمة آنذاك، وكتب الشيخ صالح عطرجي أحد مدرسي الحرم المكي سابقًا.

المكتبات الوقفية في الأربطة والمدارس في مكة المكرمة

منذ القرن السادس الهجري، كانت مجموعة من المكتبات في الحجاز موقوفة على الأربطة والمدارس، منها رباط ربيع الذي عرف لاحقًا برباط الحضارمة، وأوقفه الملك الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي في حي أجياد بمكة المكرمة سنة 594هـ/1197م، على الفقراء المسلمين الغرباء، وأوقف معه كتبًا كثيرة. كما تكونت مكتبة رباط الخوزي من مجموعات موقوفة عليه، إضافة إلى أربطة أخرى وجدت بها مكتبات مثل: رباط الموفق، ورباط الشرابي، ورباط السدرة، ورباط الأبرقوهي، ورباط الصفا، ورباط سليمان.

مساهمات الملوك والحكام في إثراء المكتبات

أسهم بعض الملوك والحكام المسلمين في تزويد مكتبات مكة المكرمة، وخاصة مكتبة الحرم المكي، بمخطوطات نفيسة وكتب نادرة. على سبيل المثال، بعث أحد ملوك المغرب بمصحف ضخم ليوقف في مكة المكرمة، بالإضافة إلى عدد من الخزائن التي كانت متاحة للجميع مجانًا، مع توفير الورق والحبر وأدوات الكتابة، ووجود مرشدين لمساعدة القراء في البحث عن المصادر.

تاريخ المكتبات في المدينة المنورة

حظيت المدينة المنورة بمكتبات عدة على مر العصور، منها مكتبة الحرم المدني، التي تكونت مجموعاتها من أوقاف الملوك والحكام والعلماء والأثرياء. يسجل التاريخ أنه كانت في الحرم المدني عام 580هـ/1184م، خزانتان كبيرتان تحتويان على كتب ومصاحف موقوفة، كما أوقف أحد سلاطين بلاد فارس خزانة كتب في الحرم المدني عندما زار المدينة المنورة.

المكتبات المدرسية في المدينة المنورة

كانت مكتبة المدرسة الشهابية محط اهتمام العلماء المقيمين والوافدين إلى المدينة المنورة، حيث أوقفوا عليها مجموعات نفيسة من الكتب، منهم أبو إسحاق ومحيي الدين الحوراني، من أهل القرن الثامن الهجري، الذين أوقفا كل ما يملكان من كتب على هذه المدرسة. استمر الاهتمام بالمكتبات في الحجاز إلى زمن الحكم العثماني، حيث بلغت مكتبات المدينة المنورة في أواخر العهد العثماني 88 مكتبة، بما في ذلك المكتبات المدرسية والخاصة ومكتبات الأربطة.

أنواع المكتبات في المدينة المنورة خلال العهد العثماني

  • المكتبات الخاصة: مثل مكتبة الشيخ عبدالحي بن عبدالرحمن أبي خضير.
  • المكتبات المدرسية: مثل مكتبة المدرسة الإحسانية، التي أسسها مصطفى بن محمد في باب الجمعة بحي الأغوات عام 1275هـ/1858م، ومجموع كتبها 461 كتابًا، ومكتبة مدرسة الساقزلي، التي أنشأها أحمد بن السيد إبراهيم المعروف بالساقزلي عام 1125هـ/1713م، وعدد كتبها 593 كتابًا، وقد أوقف كثير من الأشخاص كتبهم فيها، ومكتبة مدرسة الشفاء التي أنشأها عام 1112هـ/1700م فيض الله أفندي من علماء الدولة العثمانية، وبلغ مجموع كتبها 1441 كتابًا، بين مخطوط ومطبوع.

وأنشأ السلطان قايتباي مكتبة مدرسة قايتباي، وبلغ عدد الكتب في خزانتها 4569 كتابًا، وظف لها عاملًا ونظم سجلًا للكتب فيها، وأسس مصطفى آغا كيلي ناظري مكتبة مدرسة كيلي ناظري، عام 1254هـ/1838م، وعدد كتبها 157 كتابًا.

مكتبات الأربطة في المدينة المنورة

  • مكتبات الأربطة: منها مكتبة رباط الجبرت، التي تضم عددًا من الكتب الموقوفة من بعض الأشخاص، ومجموع كتبها 103 كتب، منها 25 مخطوطًا، ومكتبة رباط عثمان بن عفان، ومعظمها كتب مخطوطة في فقه المذهب المالكي، وامتازت بأنها كانت تسمح بالإعارة الخارجية، مقابل سند تسليم يبقى لدى المكتبة إلى حين إعادة الكتاب إليها، ومكتبة رباط قراء باش التي أسسها الشيخ عبدالرحمن أفندي عام 1031هـ/1621م.

مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية: صرح للحفاظ على التراث

يُعد مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية جهة حكومية أُنشئت بقرار من مجلس الوزراء عام 1437هـ/2016م، ويشرف عليه مجلس أمناء برئاسة أمير منطقة المدينة المنورة، ويرتبط تنظيميًّا برئيس مجلس الوزراء. يهدف المجمع إلى المحافظة على المكتبات الوقفية وخدمتها وإتاحتها، من خلال العناية بالمقتنيات النادرة الموجودة فيه وعرضها متحفيًّا، ونشر المعرفة والوعي بالمخطوطات، وتطوير منهجية علمية وعملية للمحافظة على المكتبات الوقفية ذات المحتويات النادرة، وبناء قواعد معلومات إلكترونية متقدمة بمحتويات المجمع، والتعريف بالتراث الحضاري العربي والإسلامي المخطوط، وإبرازه ونشره، وإقامة المعارض والمؤتمرات والندوات عن المكتبات الوقفية وتنظيمها، وكذلك التعاون وتبادل المعلومات والمطبوعات مع المكتبات والهيئات المحلية والدولية.

مصير مكتبات المدينة المنورة

تعرضت المدينة المنورة لأحداث تاريخية أدت إلى ضياع مكتباتها ونفائسها المخطوطة، وانتقال الكثير من كتبها إلى مدن العالم الكبرى، عن طريق تجار الكتب الذين نقلوا العديد من المخطوطات إلى آسيا وأوروبا، حيث بيعت. بعض هذه المخطوطات موجود الآن في مكتبة ليدن في مدينة لايدن الهولندية، والمكتبة الملكية في برلين، ومكتبة جامعة برنستون الأمريكية.

شهادات تاريخية حول مكتبات الحجاز

أشار أحمد عبدالغفور عطار في كتابه “قطرة من يراع” إلى وجود مكتبات أخرى في الحجاز لم تذكر سابقًا، موضحًا أن المدينة المنورة وحدها كانت تضم 53 مكتبة، بين عامة وخاصة، اندثر معظمها مع مرور الوقت وضاعت محتوياتها، وما تبقى منها ضُم إلى وزارة الحج والأوقاف (وزارة الحج والعمرة حاليًا).

وفي النهايه :

تُظهر هذه الرحلة في تاريخ المكتبات في الحجاز كيف كانت المنطقة مركزًا حيويًا للمعرفة والثقافة الإسلامية. من بدايات متواضعة في المدينة المنورة إلى المكتبات الوقفية في مكة المكرمة، شهدنا تفانيًا في الحفاظ على الكتب ونشرها. لكن الأحداث التاريخية المؤسفة أدت إلى فقدان جزء كبير من هذا التراث القيم، مما يطرح تساؤلات حول كيفية الحفاظ على ما تبقى وإعادة إحياء الاهتمام بالتراث الثقافي الإسلامي الغني.

الاسئلة الشائعة

01

ما هي أقدم مكتبة عامة في تاريخ الحضارة الإسلامية، ومن أسسها؟

تعتبر المكتبة التي أنشأها عبدالحكم بن عمرو الجمحي في أواخر القرن الأول الهجري في مكة المكرمة أقدم مكتبة عامة في تاريخ الحضارة الإسلامية.
02

ما هي أبرز المكتبات التي استمرت في العمل في الحجاز خلال العهد السعودي؟

من أبرز المكتبات التي استمرت في العمل خلال العهد السعودي: مكتبة عارف حكمت، والمكتبة المحمودية، ومكتبة الحرم المكي الشريف، ومكتبة عبدالله بن العباس.
03

ما اسم الكتاب الذي ذكر فيه الأزرقي تلف الكتب في الحرم المكي نتيجة سيل؟

ذكر الأزرقي ذلك في كتابه "أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار".
04

من هو الأمير الذي أوقف كتبًا في مجالات مختلفة بمدرسته المجاورة للحرم المكي في القرن السابع الهجري؟

الأمير شرف الدين إقبال بن عبدالله الشرابي العباسي هو من أوقف كتبًا في مجالات مختلفة بمدرسته المجاورة للحرم المكي.
05

متى تأسست أول مكتبة عامة منظمة في مكة المكرمة، ومن أوقفها؟

تأسست أول مكتبة عامة منظمة في مكة المكرمة عام 882هـ/1477م، وأوقفها الملك قايتباي.
06

كم بلغ مجموع محتويات مكتبة القطبي بعد وفاته وانتقالها إلى ابن أخيه؟

بلغ مجموع محتويات مكتبة القطبي 14 ألف كتاب.
07

ما هو الرباط الذي أوقفه الملك الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي في مكة المكرمة؟

أوقف الملك الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي رباط ربيع، الذي عرف لاحقًا برباط الحضارمة، في حي أجياد بمكة المكرمة.
08

متى كانت هناك خزانتان كبيرتان تحتويان على كتب ومصاحف موقوفة في الحرم المدني؟

كان ذلك في عام 580هـ/1184م.
09

ما هي المكتبة التي أسسها مصطفى بن محمد في المدينة المنورة عام 1275هـ/1858م؟

أسس مصطفى بن محمد مكتبة المدرسة الإحسانية في باب الجمعة بحي الأغوات.
10

ما هو الهدف الرئيسي من إنشاء مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية؟

يهدف المجمع إلى المحافظة على المكتبات الوقفية وخدمتها وإتاحتها، من خلال العناية بالمقتنيات النادرة الموجودة فيه وعرضها متحفيًّا، ونشر المعرفة والوعي بالمخطوطات.