العرضة السعودية: رمز العزة والفخر
العرضة السعودية، أو ما يعرف محليًا بالعرضة النجدية، هي فن أدائي عريق، يتردد صداه في أرجاء المملكة العربية السعودية خلال الاحتفالات، والمناسبات الاجتماعية، والأعياد. تعد العرضة النجدية أيقونة رقصات السلاح التقليدية في السعودية، وبروتوكولًا رسميًا للاحتفاء بالضيوف، من رؤساء الدول إلى الوفود السياحية.
فن العرضة السعودية: من ساحات القتال إلى ميادين الفرح
في الماضي، كانت العرضة بمثابة إعلان عن الاستعداد للحرب، محفزةً على الإقدام، ومذكرةً بالقوة والشجاعة، ومجددةً للولاء للقائد. ومع حلول الأمن والسلام في ربوع المملكة، تحولت العرضة إلى تعبير حركي عن الفرح، يُقام في المناسبات السعيدة. هذا الفن الرجولي يعتمد على التعبير الحركي الجماعي المهيب، الذي يحاكي المعارك القديمة، برموزها من محاربين وفرسان، وطبول وبيارق، وسيوف وشعر حماسي. تطورت العرضة عبر العصور لتظهر بصورتها الحالية، بعد أن كانت مرتبطة بإعلان الحرب.
تبدأ العرضة السعودية بما يسمى “الحوربة”، وهي افتتاحية ونداء أول للعرضة، يطلقه مؤدٍ ذو صوت جهوري يُعرف بـ “المحورب”، من مقام النوى الموسيقي. تتبعها مرحلة “التخمير” (الطبول الكبيرة) و”التثليث” (الطبول الصغيرة)، وصولًا إلى مرحلة “الزمية”، التي تمثل الإسدال الأخير على العرضة بترديد عبارة “تحت بيرق سيّدي سَمْعٍ وطاعة”. يمكن لأكثر من صف أداء العرضة السعودية في وقت واحد وفي أي اتجاه، مما يضفي عليها حيوية وتنوعًا.
تاريخ العرضة السعودية: من الدرعية إلى العالمية
أقدم نص للعرضة يعود إلى عام 1178هـ، حين ذكر ابن غنام كيف قام الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، قائدًا للجيوش في عهد والده، بإخراج الجيش خارج أسوار الدرعية، وأدى فن العرضة كاستعراض أمام جيش الخصم.
العرضة في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود
في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، كانت العرضة رقصة حرب بامتياز، حيث يلقي “المحورب” أبياتًا تستنهض الهمم، معلنةً الحرب. كانت العرضة حاضرة في كل المعارك والحروب، بأبياتها المعبرة عن الفخر والحماسة، واستعراض القوة والجلد، والعدة والعتاد، سواء إعلانًا للحرب أو احتفالًا بنصر. كان الملك عبدالعزيز يحدد مكانًا لتجمع المقاتلين، مرددين أهازيج العرضة، متقدمًا الصفوف على وقع الطبول والأهازيج، حاملًا الراية بفخر. كما كانت العرضة تؤدى في حالات الانتصار، وفي الأعياد تغنيًا بالأمجاد. ويظهر التاريخ مشاركة الملك عبدالعزيز شعبه أداء العرضة في مناسباتهم المختلفة.
العرضة في عهد الملك سعود
استمرت العرضة في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، محافظةً على مكانتها في الاحتفالات الرسمية والمناسبات السعيدة. شارك الملك سعود في تأدية العرضة منذ عهد والده، وأضاف إليها سرعة الأداء وخفته، مشجعًا على ممارستها والاحتفاء بها، كتخليد لذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية.
العرضة في عهد الملك فيصل
في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، استمرت العرضة في احتفالات الأعياد والمناسبات وزيارات الوفود ورؤساء الدول. كان الملك فيصل من كبار العارضين، متميزًا بثبات الحركة ورصانتها. حافظ على تقاليد العرضة بتفاصيلها الدقيقة، وكان يشرك رؤساء الدول في الأداء، ويقدم لهم سيفه لتعلم بعض حركات العرضة.
العرضة في عهود الملوك خالد وفهد وعبدالله
استمر الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود على نهج والده وإخوته في الاحتفال بالعرضة السعودية. شارك الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في العرضة منذ وقت مبكر، جنبًا إلى جنب مع إخوته الملوك والأمراء. أما الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، فكان من المولعين بفن العرضة، وعمل على تأصيله وعصرنته، وهو أول من وضع يومًا خاصًا بالعرضة السعودية، ليس للترفيه فقط، وإنما لاستذكار التاريخ واستحضار الموروث، وتوحيد ممارساتها لتشمل كل مناطق المملكة.
العرضة في عهد الملك سلمان
حظيت العرضة باهتمام خاص من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، منذ أن كان أميرًا على منطقة الرياض. أصدر قرارًا بتأسيس المركز الوطني للعرضة السعودية. ويستمر في المشاركة في أدائها، خصوصًا في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، كفقرة خاصة لكبار زوار المملكة.
العناصر المادية في العرضة السعودية: أزياء وأسلحة
أزياء العرضة السعودية: أناقة الماضي في الحاضر
يرتدي مؤدو العرضة الزي السعودي الرسمي التقليدي، مع الشماغ والعقال، ومجموعة متنوعة من الأردية. يحرص المركز الوطني السعودي على الحفاظ على محاكاة الأزياء التقليدية، ومنها:
زي المرودن
يتميز بأكمامه الواسعة وقماشه الفضفاض، ويزين بالسيف والخنجر وحزام لحمل الذخيرة والسلاح.
الدقلة
معطف طويل ومطرز، يتميز بياقات مستقيمة وستة أزرار علوية، ويرتدى فوق المرودن.
الفرملية
معطف قصير ذو أكمام طويلة، يصنع من الجوخ ويطرز بخيوط الذهب، وكان من لباس الأمراء قبل أن يخصص لقارعي الطبول في العرضة.
الصاية
رداء من قماش أبيض خفيف، مطرز تطريزًا بسيطًا، وهو من الملابس الدارجة لمرافقي الملوك في الديوان الملكي.
الزبون
من الأزياء النادرة حاليًا، ويشابه الدقلة في تصميمه، لكنه أقل سماكة منها، كما أنه يطرز بخيوط الذهب.
الجوخة
مصنوعة من الجوخ، وتطرز بخيوط الذهب، وغالبًا ما ترتدى من قبل الفرسان والوجهاء.
أسلحة العرضة السعودية: رموز القوة والشجاعة
تستخدم في العرضة أسلحة لاستعراض القوة والعتاد، ومنها السيف، والخنجر، والمسدس، والبندقية.
السيف
من أبرز أسلحة العرضة السعودية، ويتكون من النصل والمقبض والغمد.
الخنجر
يشبه السيف غير أنه قصير ومعقوف الطرف، ويعد من مكملات زي العرضة.
الفرد
مسدس صغير عيار 8 ملم، يستخدم في الأداء الحركي ويطلق منه الرصاص في الهواء.
البندقية
توجه إلى السماء أو إلى الأرض أثناء العرضة وتطلق الأعيرة النارية.
الإيقاع الصوتي للعرضة السعودية: قصائد وألحان
قصائد العرضة السعودية: تاريخ وحماسة
تبدأ بوصف السحب أو المركوب أو النداء، ثم تتجه لذم الخصوم، وتنتهي بالفخر بالقوة والشجاعة. وتعد هذه القصائد مرجعًا تاريخيًّا وثق العديد من الأحداث الماضية، وما زالت الأجيال تتناقلها وتحتفظ بها كإرث ثقافي وتاريخي لها.
التسلسل الأدائي الصوتي: من الحوربة إلى الزمية
يبدأ الجزء الغنائي في العرضة السعودية بما يسمى الحوربة، ثم يبدأ الشاعر بإلقاء القصيدة الأساسية، وغالبًا ما تكون من القصائد النبطية، ثم يبدأ الصف الأول بترديد هذه القصيدة، مع قرع الطبول المتناغم مع ترديد الأبيات.
إيقاعات الطبول في العرضة السعودية: التخمير والتثليث
تنقسم الطبول المستخدمة في العرضة السعودية إلى نوعين: طبول كبيرة يطلق عليها طبول التخمير، وطبول صغيرة يطلق عليها طبول التثليث، ولكل منها عدد ضربات وتوقيت ضرب مختلف.











