المسك: رحلة عطرية من الأصول الغامضة إلى عالم الفخامة
المسك، هذه المادة الطبيعية الثمينة، لطالما أسرت العرب بعبيرها الفواح. سعى التجار وراءها في رحلات محفوفة بالمخاطر، لاستخلاصها من مصادر قد تبدو غريبة وغير متوقعة. فما هي قصة هذا العطر الساحر؟
أصل كلمة المسك ومعناها
كلمة “المسك” ذات جذور فارسية، تم تعريبها لما تحمله من جمال في اللفظ. في اللغة العربية، يقابلها مصطلح “المشموم”. وقد ذكرت في القرآن الكريم في سورة المطففين: “ختامه مسك”. المسك هو عطر ذو قاعدة ثقيلة وعالية التركيز، غالبًا ما يقارن بالروائح الخشبية والترابية.
الاعتقاد الشائع الخاطئ عن مصدر المسك
انتشر بين الناس اعتقاد بأن الحطابين يجمعون المسك من أشجار معينة تنمو في غابات ولاية ماين الأمريكية.
من أين يستخرج المسك؟ مصادر غير متوقعة
يُستخرج المسك من ذكور بعض الحيوانات، وبالتحديد من غزلان المسك. كما يمكن العثور عليه في القيء الذي يفرزه حوت العنبر، وحيوان الزباد، وثور المسك، وخنفساء المسك، وغيرها من الحيوانات التي تمتلك غدة المسك. وقد يصل سعر الكيلوغرام الواحد من المسك إلى أكثر من 15000 دولار.
أنواع المسك ومصادره الحيوانية
للمسك أنواع عديدة، ولكن أشهرها:
مسك الغزال: الأصل العطري الثمين
تُصنع غالبية العطور اليوم من خلال عمليات كيميائية اصطناعية، إلا أن المسك كان يُستخرج في الماضي من كيس غددي بحجم كرة الغولف، يعود لغزال المسك البالغ. يحتوي هذا الكيس على سائل ذو رائحة نفاذة يستخدمه الغزال الذكر لجذب الإناث. بعد موت الغزال، يُنزع الكيس الغدي ويجفف للحصول على “جراب المسك”، الذي يحتوي على حبة المسك العطرية. يتم نقع هذه الحبة لعدة شهور أو سنوات في مادة كحولية لإنتاج رائحة المسك. يُعتبر مسك الهند والصين والبحرين وجبال التيبت من أجود أنواع المسك في العالم، وذلك بفضل نوعية الظباء وجودة المراعي الخضراء فيها.
مسك حوت العنبر: رائحة فاخرة من أعماق المحيط
عندما يأكل حوت العنبر الذكر الحبار، قد تخدش مناقير الحبار الحادة جهازه الهضمي. لحماية نفسه، يقوم الحوت بإحاطة الأجزاء المكسورة من المنقار بكرة دهنية، ثم يتقيأها. يصف عالم الأحياء الجزيئية (كريستوفر كيمب) هذه العملية قائلاً: “رائحة العنبر تشبه رائحة القذارة، وتتصف بأنها سوداء وناعمة الملمس بما يكفي لتتحول إلى كرات. ولكن بمرور الوقت، عندما يطفو العنبر تحت أشعة الشمس ويتأكسد في ماء المحيط، يتماسك العنبر الأسود الناعم وتنبعث منه رائحة المسك الفاخر والنادر”.
مسك حيوان الزباد: عطر من عالم الحيوان
حيوان الزباد هو من الثدييات التي تأكل حبوب القهوة ولا تهضمها. بالإضافة إلى كونه مصدرًا لأجود أنواع القهوة، يُستخرج منه المسك. فقد عُثر على جزيء يسمى civetone في عجينة الزبدة الصفراء التي يفرزها الزباد من غدده العجانية، وتنبعث منه رائحة فريدة.
المسك وصناعة العطور: لمسة من السحر
يقول خبير العطور (ويل أندروز): “إن أكثر روائح المسك رواجاً كعطر نسائيّ هي تلك الرائحة الممزوجة برائحة الفاكهة، وأحياناً برائحة الأزهار، وهي في غالبها ناعمة ومنعشة على جلد البشرة. أما الروائح الرجولية فهي بمجملها ذات تراكيز ثقيلة جداً، وقد نمزجها مع روائح الخشب والغابات، ولهذا هي أنيقة وجذّابة ويزداد الإقبال عليها”.
المسك والرفق بالحيوان: نحو بدائل مستدامة
نتيجة لجهود المنظمات الحقوقية المعنية بالرفق بالحيوان، لم يعد صانعو العطور يستخدمون المسك المستخرج من الحيوانات. تم استبداله ببدائل من مواد كيميائية صناعية أكثر استدامة ورخصًا، مثل “موسكون” و galaxolide و versalide.
وفي النهايه:
بعد هذه الرحلة الشيقة في عالم المسك، نرى كيف استطاع الإنسان أن يحول كنوز الطبيعة إلى عطور فاخرة، تعكس مدى ترفه وغناه. ولكن، هل ستتمكن البدائل الصناعية من الحفاظ على سحر المسك الأصيل، أم أننا سنشهد تحولاً جذرياً في عالم العطور؟











