استعادة الأحساء: ملحمة تأسيس الدولة السعودية الحديثة
في مطلع القرن العشرين، شهدت الجزيرة العربية تحولات كبرى، كان من أبرزها معركة ضم الأحساء بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في عام 1913م (1331هـ). هذه المعركة لم تكن مجرد استعادة لأراضٍ، بل كانت خطوة محورية في بناء الدولة السعودية الحديثة، إذ استعاد الملك عبدالعزيز مناطق كانت جزءًا من الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. ما حفز الملك عبدالعزيز على هذه الخطوة هو الموقف السلبي من العثمانيين، الذين دعموا خصومه ووفروا لهم الملاذ، بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية للأحساء كمنطقة زراعية خصبة وغنية بالثروات السمكية، فضلاً عن كونها منفذًا بحريًا حيويًا للتجارة والجمارك.
دوافع الملك عبدالعزيز نحو الأحساء
في عام 1913م، اتخذ الملك عبدالعزيز قراره بالتوجه نحو الأحساء، مدفوعًا بعدة عوامل. أولها، التضييق الذي مارسه شريف مكة على التجار النجديين، والذي وصل إلى حد منع التبادل التجاري بين نجد والحجاز. ثانيًا، استتباب الأوضاع في إمارة حائل عقب انتصاره على خصومه في نجد، مما سمح له بالتركيز على جبهة أخرى.
تفاصيل معركة ضم الأحساء
التخطيط المحكم
سبق دخول الأحساء تخطيط دقيق من جانب الملك عبدالعزيز. قام بالتواصل مع أشخاص موثوقين لجمع المعلومات الضرورية لتنفيذ خطته. تظاهر الملك عبدالعزيز بأنه يرغب في دخول الأحساء للتزود بالمؤن، وتمكن من الدخول وشراء ما يحتاجه، ثم عاد إلى الرياض وترك عددًا من أتباعه في المنطقة.
اقتحام الهفوف
في عام 1913م، توجه الملك عبدالعزيز إلى الهفوف، مستفيدًا من دعم أنصاره المحليين لجمع معلومات حول مواقع العثمانيين وقوتهم وتحركاتهم. ساعده هؤلاء الأنصار في دخول البلدة. ورغم أن جيشه لم يكن كبيرًا، فقد قسم رجاله إلى قسمين: قسم بقيادة عبدالله بن جلوي لحماية ظهورهم خارج المدينة، والقسم الآخر قاده الملك عبدالعزيز بنفسه لدخول المدينة والاستيلاء عليها.
السيطرة على المدينة
أصدر الملك عبدالعزيز تعليمات واضحة لرجاله عند دخول الأحساء، حيث تم وضع سلالم بجانب السور، وصعد عليها جنوده، ثم قاموا برمي الحبال لتسهيل صعود الآخرين من الخارج. انتشروا بسرعة في البلدة، محكمين السيطرة عليها.
الاستسلام العثماني
الحامية العثمانية
تحصنت الحامية العثمانية في قصر إبراهيم، بينما توجه الملك عبدالعزيز إلى بيت عبداللطيف الملا، حيث توافد عليه أعيان البلدة لمبايعته. أرسل الملك عبدالعزيز مبعوثًا إلى المتصرف العثماني، ومنحه خيار الاستسلام أو مواجهة قواته. في النهاية، استسلم المتصرف ورجاله في 4 يونيو 1913م (28 جمادى الأولى 1331هـ)، ليقوم الملك عبدالعزيز بترحيلهم إلى العقير، ثم إلى البحرين.
نهاية المعركة وتوحيد المنطقة
بعد استتباب الأمن في الأحساء، أرسل الملك عبدالعزيز سرية بقيادة عبدالرحمن بن سويلم إلى القطيف، حيث تمكنوا من دخولها وبسط نفوذهم عليها بسهولة، ليكتمل بذلك حكم المنطقة بأكملها تحت راية الملك عبدالعزيز.
رد الفعل العثماني
عندما علم العثمانيون بترحيل جنودهم من الأحساء والقطيف، حاولوا العودة من البحرين عبر ميناء العقير، لكن سرية الملك عبدالعزيز تصدت لهم وأسرت عددًا منهم. أرسل الملك عبدالعزيز قوات إضافية من الأحساء، وما إن رأى العثمانيون طلائع الجيش السعودي حتى سارعوا بالفرار إلى البحرين.
ترسيخ الأمن والعودة إلى الرياض
بقي الملك عبدالعزيز فترة في الأحساء لضمان استقرار الأوضاع، ثم عين عبدالله بن جلوي أميرًا عليها، وعاد إلى الرياض في العشر الأواخر من رمضان في العام نفسه.
وفي النهايه :
تُظهر معركة ضم الأحساء رؤية الملك عبدالعزيز الثاقبة وحنكته العسكرية والسياسية. لم تكن هذه المعركة مجرد انتصار عسكري، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والتوسع للدولة السعودية. كيف أثر هذا الحدث التاريخي على مستقبل المنطقة والعلاقات مع القوى الأخرى؟ وهل يمكن اعتبارها نموذجًا للتخطيط الاستراتيجي والقيادة الحكيمة في الظروف الصعبة؟