المكتبات في السعودية: منارات للمعرفة والثقافة
المكتبات في المملكة العربية السعودية تمثل صروحًا مخصصة لنشر ودعم المعرفة والثقافة والعلوم، وتقديم الخدمات المتنوعة للباحثين والمهتمين. تُعتبر هذه المكتبات رافدًا ثقافيًا حيويًا لجميع فئات المجتمع، ومصدرًا أساسيًا للبحوث والدراسات الأكاديمية والعلمية. حظيت المكتبات باهتمام ورعاية كبيرين منذ توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي أولى اهتمامًا خاصًا لمكتبة الحرم المكي، التي تُعد من أهم وأعرق المكتبات في العالم الإسلامي، وأطلق عليها هذا الاسم في عام 1357هـ/1938م، وأهداها مجموعة قيمة من الكتب، وهي تضم اليوم 12 قسمًا، وأكثر من 120 ألف كتاب.
انتشار المكتبات في أنحاء المملكة
لم تتأخر العاصمة الرياض في تأسيس المكتبات التي تمثل مراكز للمعرفة والتنوير، حيث ظهرت أول مكتبة عامة في عام 1363هـ/1944م، على يد الأمير مساعد بن عبدالرحمن. وفي عام 1371هـ/1952م، تأسست مكتبة الرياض السعودية بتوصية من مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
ومع التوسع الثقافي الكبير في المملكة، حظيت الثقافة بعناية خاصة في خطط التنمية. إذ أشارت خطة التنمية الثامنة إلى زيادة عدد المكتبات بمختلف أنواعها، حيث وصل عددها إلى نحو 1,980 مكتبة، منها 194 مكتبة متخصصة، و80 مكتبة عامة، و1,646 مكتبة مدرسية، و60 مكتبة جامعية.
تنوع محتويات المكتبات السعودية
شهدت محتويات المكتبات تنوعًا هائلًا في المواد المعرفية والعلمية التي تحتضنها، من خلال مئات الآلاف من الكتب والوثائق. وصل مجموع مقتنيات هذه المكتبات إلى أكثر من 1.9 مليون كتاب ووثيقة، بالإضافة إلى مقتنيات المكتبات الكبرى، مثل مكتبة الملك المؤسس عبدالعزيز العامة التي تضم نحو 200 ألف مادة، ودارة الملك عبدالعزيز التي تحوي نحو 800 ألف مقتنى، والمكتبة الوطنية التي تحوي نحو 300 ألف مقتنى، ومكتبة الملك فهد الوطنية بنحو 1.3 مليون مادة.
لم يقتصر الإثراء الثقافي عبر المكتبات على جهود الدولة فحسب، بل ساهم القطاع الخاص بفعالية في تنمية القطاع الثقافي والإعلامي، من خلال امتلاكه دور نشر بلغ عددها أكثر من 321 دارًا للنشر.
دعم المكتبات الوقفية
إلى جانب تطور قطاع المكتبات العامة، استمر الاهتمام بدعم المكتبات الوقفية. تأسس مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية بالمدينة المنورة بقرار من مجلس الوزراء عام 1437هـ/2016م، وهو صرح ثقافي يُعد من أبرز المكتبات الوقفية في العالم، ويضم 34 مجموعة وقفية، ويحتوي على 1878 مصحفًا مخطوطًا، و15722 مخطوطة نادرة، و84 ربعة قرآنية نادرة، ومئات الآلاف من الكتب المطبوعة.
تشير الإحصاءات الرسمية في تقرير حالة الثقافة في المملكة العربية السعودية لعام 2019م إلى نمو ملحوظ في أعداد المكتبات على الصعيد المجتمعي، حيث بلغت نسبة الأسر السعودية التي تملك مكتبة خاصة في منزلها 35%. وارتفعت مقتنيات مكتبة الملك فهد الوطنية إلى 479,773 عنوانًا (كتابًا)، ووصل عدد المكتبات في المملكة بمختلف أنواعها (مدرسية، جامعية، عامة، متخصصة، وطنية) إلى 2,329 مكتبة.
تطوير قطاع المكتبات وتنظيمه في المملكة
شمل التطوير الثقافي قطاع المكتبات في ظل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، حيث أُنشئت هيئة المكتبات في عام 1441هـ/2020م، بهدف تنظيم وتطوير هذا القطاع، والنهوض بمقوماته، ودعم وتشجيع الممارسين فيه، من خلال تطوير استراتيجيات القطاع بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية الثقافية وتنفيذها.
تعمل الهيئة على تنفيذ استراتيجية تطوير المكتبات العامة، لزيادة عددها من 84 مكتبة عامة إلى 153 مكتبة بحلول عام 2030م، وتسعى لتحقيق أهدافها بتشجيع التمويل والاستثمار، وتعزيز المبادرات والمشاريع ذات الصلة لرفع الوعي بأهمية المكتبات، وتعزيز العادات القرائية، والمساهمة في بناء البرامج التعليمية والتدريبية واعتمادها.
مبادرة تطوير المكتبات العامة
تعزيزًا لدور هيئة المكتبات في إثراء الواقع الثقافي والمعرفي بالمملكة، أُطلقت في عام 1441هـ/2020م مبادرة تطوير المكتبات العامة، التي تهدف إلى تحويل المكتبات العامة إلى منصات ثقافية بمفهوم اجتماعي شامل وحديث، تلتقي فيه أنماط الإبداع الثقافي كافة.
مكتبة الملك عبدالعزيز العامة: صرح معرفي عالمي
تمتلك المملكة مكتبات تاريخية ضخمة لها تأثير معرفي وثقافي على الصعيدين الوطني والدولي، من بينها مكتبة الملك عبد العزيز العامة، التي افتتحت في عام 1408هـ/1987م، بهدف العناية بشؤون الكتاب والمستفيدين منه. اكتملت منظومة المكتبة بصدور الموافقة السامية عام 1417هـ/1996م على إنشاء مؤسسة خيرية باسم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة.
المحتويات الثقافية المتنوعة
تتنوع المحتويات الثقافية في مكتبة الملك عبدالعزيز، حيث تتوفر بها بواكير الكتب العربية التي طبعت في أوروبا، بالإضافة إلى مجموعات من المجلات العربية التي يعود تاريخ بعضها إلى عام 1860م، ونحو 130 ألف وثيقة، وما يزيد على 35 ألفًا من الكتب النادرة في مجالات التاريخ الأدبي والعلمي والثقافي.
المحتوى الضخم للمكتبة يجعلها إحدى أكبر المكتبات على المستوى العالمي، حيث تضم أيضًا نحو 12 ألف مخطوطة، وأكثر من 12 ألف صورة فوتوغرافية، وما يزيد على 700 خريطة، كذلك تضم 9,500 من العملات النادرة، وألف كتاب للأطفال، و60 ألفًا من الدوريات، و16 ألفًا من الرسائل الأكاديمية. ارتفع عدد الكتب بها حتى عام 2020م إلى أكثر من 3 ملايين كتاب باللغة العربية في فروعها المختلفة، فضلًا عن كتب باللغات العالمية، تتناول الثقافتين العربية والإسلامية.
دور المكتبة المعرفي والتفاعلي
في إطار دورها المعرفي التفاعلي، تنظم المكتبة عددًا من الفعاليات والبرامج الثقافية، بالإضافة إلى تنفيذ مبادرات نوعية لخدمة المعرفة، حيث أنشأت الفهرس العربي الموحد، لتعزيز المحتوى الثقافي العربي وتوثيقه رقميًا، وذلك في عام 1422هـ لخدمة المكتبات والثقافة العربية والإسلامية.
تشمل مبادرات مكتبة الملك عبدالعزيز الرائدة كذلك إنشاء المكتبة الرقمية العربية التي تُعد مشروعًا وطنيًّا وعربيًّا، وتستكمل مشروع الفهرس العربي الموحد.
المكتبة الرقمية السعودية: نافذة على المعرفة الرقمية
من بين المبادرات الرائدة في قطاع المكتبات بالمملكة أيضًا، إنشاء المكتبة الرقمية السعودية بوزارة التعليم، التي تتيح مصادر المعرفة الرقمية بمختلف أشكالها المتنوعة، لخدمة الباحثين والمهتمين من منسوبي الجامعات الحكومية والأهلية، والمعلمين والمعلمات، والطلبة المبتعَثين.
لمواكبتها للتقنية وأحدث نظم التداول المعرفي، أصبحت المكتبة الرقمية السعودية أضخم تجمع لمصادر المعرفة الرقمية في الشرق الأوسط من حيث حجم ونوع المصادر التي تحتضنها.
محتويات المكتبة الرقمية السعودية
تحتوي المكتبة على 169 قاعدة معلومات عالمية وعربية، ونحو 446,044 كتابًا رقميًّا، و60 ألف مجلة علمية، و6,548,350 ورقة بحثية، و5,224,410 رسائل جامعية، و3,061,669 من التقارير العلمية، إضافة إلى 461,004 من الوسائط المتعددة التي تشتمل على الصور والأفلام العلمية في مختلف التخصصات، وأكثر من 12 مليون مادة علمية في الأصول المعلوماتية التي تمتلكها المكتبة.
مكتبة الملك فهد الوطنية: صرح لحفظ الإنتاج الفكري
من بين المكتبات الكبيرة في المملكة التي لها تأثير فاعل في النشاط الثقافي مكتبة الملك فهد الوطنية التي تُعد الجهة المسؤولة عن حفظ الإنتاج الفكري السعودي منذ تطبيق نظام الإيداع عام 1414هـ/1993م.
جاء تأسيس مكتبة الملك فهد الوطنية في عام 1402هـ/1982م، بمبادرة من أهالي مدينة الرياض بتأسيس مكتبة عامة تحمل اسم الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وبدأ تنفيذ المشروع عام 1406هـ/1986م. يستوعب المبنى الحديث للمكتبة أكثر من 2.4 مليون كتاب ودورية ووثيقة، مع قابلية التوسع مستقبلًا لتستوعب 3.3 ملايين كتاب ودورية ووثيقة، وهو ما سيفي باحتياجات المكتبة لسنوات مقبلة.
وفي النهايه :
تعكس هذه النظرة الشاملة على المكتبات في المملكة العربية السعودية التزام المملكة الراسخ بتعزيز المعرفة والثقافة، ودعم البحث العلمي. من خلال مكتبة الحرم المكي العريقة إلى المكتبة الرقمية السعودية المتطورة، تتجسد رؤية مستقبلية تهدف إلى بناء مجتمع قارئ ومثقف، قادر على مواكبة التحديات العالمية. تُرى، كيف ستستمر هذه المؤسسات في التطور لتلبية احتياجات الأجيال القادمة، وما هي الابتكارات الجديدة التي ستشهدها المكتبات السعودية في المستقبل؟
