حقل منيفة: تحفة هندسية وبيئية في قلب الخليج العربي
يُعتبر حقل منيفة، الواقع في المياه السعودية قبالة مدينة الجبيل بالمنطقة الشرقية على الخليج العربي، واحدًا من أضخم حقول النفط على مستوى العالم، إذ يحتل المرتبة الخامسة، ويتميز بتاريخه العريق، حيث اكتُشف في عام 1376هـ/1957م. يمتد الحقل على مساحة تتكون من ستة مكامن، بطول يقارب 45 كيلومترًا وعرض يصل إلى 18 كيلومترًا، ويقع تحت مياه ضحلة تتراوح أعماقها بين متر واحد و15 مترًا.
مراحل مشروع حقل منيفة
البداية والاكتشاف
بدأت رحلة استكشاف الحقل بحفر بئر منيفة التجريبية رقم 1، والتي تحولت لاحقًا إلى بئر الاكتشاف الرئيسية. في عام 1384هـ/1964م، بدأ الحقل إنتاجه الأولي بقدرة تصل إلى 125 ألف برميل من النفط يوميًا. ومع ذلك، وبسبب تراجع الطلب على النفط الخام، توقف الإنتاج في عام 1404هـ/1984م.
إعادة التطوير
في عام 1426هـ/2005م، ومع ازدياد الطلب العالمي على النفط، وخاصة النفط الخام العربي الثقيل، تقرر إعادة تطوير حقل منيفة لتعزيز الإنتاج والمساهمة في تلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة.
الطاقة الإنتاجية
يسهم إنتاج النفط من حقل منيفة في توفير طاقة تكفي لتلبية احتياجات ما يقارب 100 مليون شخص حول العالم، مما يجعله مشروعًا حيويًا على الصعيد العالمي.
تطوير مشروع حقل منيفة: رؤية مستدامة
قرار التوسع
في عام 1427هـ/2006م، اتخذت شركة أرامكو السعودية قرارًا استراتيجيًا لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط، مع تخصيص استثمار أولي قدره عشرة مليارات دولار لتطوير حقل منيفة. بدأت الشركة في البحث عن أفضل السبل لإنتاج النفط من هذا الحقل المغمور، مع مراعاة الحفاظ على البيئة البحرية الحساسة.
الحفاظ على البيئة
في عام 1428هـ/2007م، أجرت الشركة دراسة تقييمية شاملة للنظام البيئي الحساس، وأسفرت النتائج عن فكرة مبتكرة: إنشاء 27 جزيرة اصطناعية متصلة بجسور بحرية. هذا التصميم يهدف إلى تقليل الأثر البيئي والحفاظ على التوازن بين التكنولوجيا والطبيعة.
الإنشاء والتشييد
في عام 1429هـ/2008م، تم وضع أول ركيزة لأطول جسور المشروع في قاع البحر، وبدأت المرافق المؤقتة في الظهور. تضمن المشروع بناء 14 جسرًا لضمان عدم إعاقة حركة المياه البحرية في خليج منيفة. تحول المشروع من مجرد تصميم إلى إنجاز هندسي مذهل في صناعة النفط والغاز، واستغرق العمل عليه أكثر من سبع سنوات من التخطيط إلى التشغيل.
مراحل متسارعة
تسارعت وتيرة الأعمال الإنشائية، وبحلول عام 1430هـ/2009م، اكتمل إنشاء الجزر والجسر البحري. تم استخلاص أكثر من 45 مليون متر مكعب من الرمال من قاع البحر، وانتهت مرحلة تصميم مرفق المعالجة المركزية. وفي عام 1433هـ/2012م، اكتمل إنشاء وتشغيل مرافق حقن المياه، باستخدام تقنية جديدة طورتها الشركة خصيصًا لهذا المشروع.
هندسة مشروع حقل منيفة: تكامل بيئي وهندسي
إنجاز هندسي وبيئي
يُعتبر حقل منيفة مثالًا يحتذى به في التكامل بين الهندسة والبيئة. تحقيق الهدف الأول بإنتاج 500 ألف برميل من النفط يوميًا بحلول رمضان 1434هـ/يوليو 2013م، وفي عام 1437هـ/2016م، حققت أرامكو السعودية هدفها بإنتاج 900 ألف برميل من النفط يوميًا.
تقنيات مبتكرة
تبنت أرامكو السعودية نهجًا مبتكرًا لتطوير الحقل، حيث تم بناء 27 جزيرة اصطناعية متصلة بشبكة من الطرق. هذا التصميم مكن الشركة من استخدام تقنيات منخفضة التكلفة في الحفر والإنتاج، مما قلل النفقات الرأسمالية بنحو 27% مقارنة بالمشاريع البحرية التقليدية.
تصميم فريد
كان تصميم الجزر الاصطناعية في منيفة غير مسبوق، حيث تعادل مساحة كل جزيرة عشرة ملاعب كرة قدم. هذه الجزر تعمل كمواقع حفر برية فوق حقل النفط البحري، ويربط بينها جسر بحري بطول 41 كيلومترًا.
إنتاج مشروع حقل منيفة: دعم الصناعات المحلية والعالمية
تلبية الاحتياجات
يساهم النفط الخام العربي الثقيل المستخرج من حقل منيفة في تلبية متطلبات المواد الأولية لمصافي التكرير الجديدة في السعودية، مثل ساتورب وياسرف، بالإضافة إلى توسيع الطاقة الإنتاجية في الشيبة. كما يساهم في زيادة إنتاج النفط واستخراج سائل الغاز الطبيعي لدعم قطاع البتروكيماويات.
توفير اللقيم
يوفر المشروع أيضًا اللقيم لمصفاة جازان عند تشغيلها، بالإضافة إلى مصفاة موتيفا في هيوستن، تكساس، وهي مشروع مشترك بين أرامكو السعودية وشركة شل الأمريكية. تم استخدام أكثر من 9 آلاف كيلومتر من الأنابيب والكابلات لتزويد العملاء بالنفط.
الجودة في مشروع حقل منيفة: معايير عالمية
الالتزام بالجودة
ركز المشروع على الالتزام بمعايير الجودة التي تتبناها أرامكو السعودية، وبدأ الإنتاج قبل الموعد المحدد بثلاثة أشهر وبتكاليف أقل من الميزانية المقررة. استهلك المشروع أكثر من 4 ملايين ساعة عمل هندسي، وبلغ عدد القوى العاملة أكثر من 21 ألف عامل، بالإضافة إلى 4 ملايين ساعة عمل تصميمي.
مكونات المشروع
يتضمن المشروع بعد تطويره الجزر الاصطناعية، و13 منصة بحرية لإنتاج النفط وحقن المياه، بالإضافة إلى خطوط الأنابيب والكابلات الكهربائية والاتصالات المغمورة، ومرافق لمعمل المعالجة المركزية التي تشمل مرافق لفرز الغاز من الزيت ومعالجة الغاز، ومعمل لحقن المياه ومحطات للإنتاج المزدوج.
شبكة الإمدادات
يشمل المشروع أيضًا شبكة إمدادات مياه لتلبية متطلبات حقن المياه من طبقة الوسيع الحاملة للماء في منطقة أبو حدرية، وخطوط أنابيب لتجميع الزيت الخام وحقن المياه من المنصات البحرية، والجسر البحري الذي يربط اليابسة بالجزر الاصطناعية، ومواقع الحفر على اليابسة في منيفة ورأس تناقيب. كما يشمل شبكات خطوط أنابيب حقن المياه وخطوط أنابيب التوزيع التي تنقل الزيت الخام إلى ساحة الخزانات في الجُعيمة، وتنقل الغاز والمكثفات إلى معمل الغاز في الخرسانية للمعالجة.
حماية البيئة في مشروع حقل منيفة: توازن دقيق
التعاون البيئي
يُعتبر مشروع منيفة مثالًا للتعاون بين الصناعة والحفاظ على البيئة. تعاونت أرامكو السعودية مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لحماية النظام البيئي الحساس في منيفة، واتباع سياسات بيئية صارمة لتنفيذ إجراءات وقائية فيما يخص أعمال الحفر والأرض والهواء.
المراقبة المستمرة
راقب علماء من جامعة الملك فهد النظام البيئي في خليج منيفة عن كثب، من خلال تصوير الشعاب المرجانية وأخذ عينات من المياه أسبوعيًا، للتأكد من عدم حدوث أي تغيرات سلبية في البيئة. واستمرت هذه المراقبة حتى بعد الانتهاء من المشروع.
تحسين البيئة
أظهرت الدراسات أن تصميم الجسر البحري لم يحافظ فقط على الجريان الطبيعي لمياه المد والجزر في خليج منيفة، بل ساهم أيضًا في تحسين جودتها. كما أن زيادة نسبة الأكسجين وفرت بيئة صحية لتكاثر الروبيان والأسماك، وزادت مروج الأعشاب البحرية في المنطقة بنسبة 70%، وزاد حجم الشعاب المرجانية التي انتشرت داخل صخور الجسر البحري نفسه.
إحياء مناطق القرم
لإحياء مناطق زراعة أشجار القرم المانجروف على طول ساحل الخليج العربي، زرعت الشركة 250 ألف شجرة في عام 1434هـ/2013م، لتوفير مأوىً للطيور المهاجرة وأرضًا مناسبة لطيور الشماط والفلامنجو لبناء أعشاشها. كما أنشأت الشركة ثلاث منصات لتوفير ملاذ آمن لهذه الطيور، مما يدعم التنوع البيولوجي ويساهم في استدامة قطاع صيد الأسماك في السعودية.
الأثر الاقتصادي لمشروع حقل منيفة: تعزيز النمو المحلي والعالمي
دعم الصناعة المحلية
كان لمشروع حقل منيفة أثر إيجابي على الاقتصاد السعودي، حيث تم تصنيع 37% من المواد المشتراة للمشروع داخل المملكة، مما ساهم في تحسين البنية التحتية والخدمات المحلية.
التعاون الدولي
لم تقتصر مرحلة التصميم على الخبراء السعوديين، بل شملت أيضًا خبراء من إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة واليابان والإمارات العربية المتحدة. وأرست الشركة 30 مقاولة رئيسة على شركات إنشاء وطنية ودولية لتعزيز الاقتصاد العالمي.
إنجازات مشروع حقل منيفة: تقدير عالمي
جوائز وتقديرات
حصد مشروع حقل منيفة عددًا من الجوائز، منها جائزة مشروع العام في مجال مشاريع النفط الابتكارية، لاستخدامه تقنيات حديثة في تنفيذ أعمال البنية التحتية والحفر والإنتاج. كما حقق المشروع أكثر من 80 مليون ساعة عمل دون وقوع إصابات، مما يعكس التزامه بأعلى معايير السلامة.
التميز البيئي
حقق مشروع خليج منيفة نجاحًا كبيرًا، وحصل على المركز الأول بجائزة التميز الفني في التقنيات البيئية من أريبيان سيز، وترشح لجائزة اليونسكو للمسؤولية البيئية، مما يؤكد التزامه بالحفاظ على البيئة.
وفي النهايه :
حقل منيفة يمثل قصة نجاح سعودية بارزة، تجسد التوازن بين استغلال الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة. فهل يمكن لهذا النموذج أن يلهم مشاريع أخرى لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة والعالم؟ وهل سيستمر حقل منيفة في لعب دور محوري في دعم الاقتصاد السعودي وتلبية احتياجات الطاقة العالمية، مع الحفاظ على بيئتنا للأجيال القادمة؟ كتب سمير البوشي في بوابة السعودية.
