مهرجان الحريد السياحي: احتفاء بتقاليد الصيد في جزر فرسان
في أواخر مارس أو بداية أبريل من كل عام، تنطلق فعاليات مهرجان الحريد السياحي تحت رعاية إمارة منطقة جازان. يحتفي هذا المهرجان التراثي بتقليد صيد أسماك الحريد قبالة شواطئ جزيرة فرسان، الواقعة في البحر الأحمر جنوب غربي المملكة العربية السعودية، ويُعدّ هذا الحدث فرصة للاحتفاء بالتراث البحري الغني للمنطقة.
سمك الحريد: كنز البحار المرجانية
سمك الحريد، المعروف أيضًا باسم سمك الببغاء (Parrot Fish)، هو أحد الكائنات البحرية التي تسكن البيئات المرجانية، ويتميز هذا النوع من الأسماك بخصائص فريدة؛ فشكله الخارجي يشبه طيور الببغاء، خاصة في شكل الفم الذي يشبه المنقار، بالإضافة إلى تنوع ألوانه الزاهية. يتغذى الحريد على براعم المرجان الغنية بالطحالب البحرية، ويعيش ويتكاثر في مجموعات تتجول في الحيد البحري.
يعتبر الحريد من بين أجود أنواع الأسماك؛ إذ يمتاز بوفرة اللحم الأبيض ذي المذاق الفريد، خاصة عند شويه. ولا شك أن صيد الحريد يمثل تحديًا حقيقيًا، نظرًا لوجوده بين المرجان، مما يعيق استخدام الشباك التقليدية، كما أن الحريد يتمتع بحذر شديد؛ إذ يحيط نفسه ليلاً بشبكة رقيقة جدًا تشبه شبكة العنكبوت، لتحسس أي حركة حوله والهروب من أسماك القرش التي تنشط ليلاً.
اصطياد الحريد: قلب مهرجان فرسان السنوي
يبدأ مهرجان الحريد السنوي عندما تتجمع أسماك الحريد في مجموعات كبيرة، قد تتجاوز الألف سمكة، بالقرب من الشاطئ، وعادة ما يحدث هذا التجمع في يوم واحد من السنة، في نهاية شهر مارس أو بداية أبريل. يكتشف صيادو جزيرة فرسان اقتراب موسم الحريد من خلال رائحة مميزة تنبعث من الشاطئ، تبدأ بعد مغرب شمس اليوم الذي يوافق نهاية مارس وبداية أبريل، وهذه الرائحة هي رائحة بيض الشعاب المرجانية الملساء، التي تطلق بيضها دفعة واحدة في ليلة محددة من السنة.
طقوس الصيد التقليدية
تبدأ فعاليات مهرجان الحريد السنوي قبل صلاة الفجر، حيث يتوجه الأهالي إلى ساحل الحصيص، وهو المكان المخصص لتجمع الحريد. يصعد الرجال إلى المناطق المرتفعة لمراقبة المياه ورصد أي حركة على السطح تشير إلى وجود مجموعة من أسماك الحريد، والتي يطلق عليها “سواد”. بمجرد رصد إحدى هذه المجموعات، يتجه كبار الصيادين إلى البحر لتجميع الحريد، بينما يبقى الآخرون على الشاطئ في حالة استعداد.
تتم عملية التجميع عن طريق إحاطة مجموعات الحريد بالشباك، كل مجموعة على حدة، إذ تتكور الأسماك حول نفسها وتستمر في الدوران دون الاصطدام بالشباك، في حركة دفاعية. يواصل الصيادون تجميع المجموعات في مجموعة واحدة كبيرة، ثم يطلب كبير الصيادين من الشباب والأطفال جمع شجيرات الكسب المنتشرة على الشاطئ، وبعد تجميع كمية مناسبة، يتم إنشاء حاجز حول الحريد من الشجيرات بارتفاع نصف متر، مع سحب الشباك تدريجيًا. يحمل كل مشارك شبكة صغيرة على شكل كيس، ويترقبون انتهاء عملية التجميع، وعندما يصبح الحريد في مجموعة واحدة محاطة بالكسب من كل جانب، يطلق كبير الصيادين شارة الهجوم، باستعمال كلمة “الضويني”، لينطلق جميع المشاركين، صغارًا وكبارًا، إلى البحر، في محاولة للحصول على أكبر كمية من الحريد.
فعاليات تثري تجربة الزائر في مهرجان الحريد
يتضمن مهرجان الحريد السنوي مجموعة متنوعة من البرامج والفعاليات المصاحبة، بما في ذلك مسابقة لأكبر كمية يتم اصطيادها من أسماك الحريد، ومعرض للحرف اليدوية، ومسابقات بحرية، بالإضافة إلى عروض شعبية ومسرح مفتوح. تشمل الفعاليات أيضًا الطيران الشراعي والرقصات الفرسانية التراثية. تُقام هذه الفعاليات بالتعاون مع الهيئة العامة للترفيه، ومجلس التنمية السياحي في منطقة جازان، وبلدية محافظة فرسان، وعدد من الجهات الحكومية والخدمية الأخرى.
لمحة من الماضي
في الماضي، كان أهالي فرسان يحتفلون بيوم الحريد في بيوت العرائس الجدد اللواتي تزوجن خلال العام، حيث كانت العروس ترتدي كامل زينتها وتستقبل النساء والأطفال للاحتفال في بيتها، ما يعكس أهمية هذا اليوم في النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع الفرساني.
وفي النهايه:
يمثل مهرجان الحريد السياحي أكثر من مجرد حدث سنوي؛ فهو تجسيد لتراث عريق وتقاليد بحرية أصيلة، تعكس ارتباط أهالي فرسان بالبحر وثرواته. فهل سيستمر هذا المهرجان في جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليصبح علامة فارقة في السياحة الثقافية للمملكة؟











