جهود السعودية في حماية طائر الحبارى الشرقي: رؤية شاملة
طائر الحبارى الشرقي (Chlamydotis macqueenii) يمثل جزءًا من التراث الطبيعي للمملكة العربية السعودية. هذا الطائر، الذي يستوطن مناطق المملكة ويتجه جنوبًا وجنوبًا غربيًا في الشتاء، يُصنف ضمن الطيور النادرة. يفضل الحبارى الوديان الرملية الضحلة والمناطق المنخفضة في حرة الحرة، وهي جزء من محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية شمال منطقة الجوف، وتمتد على مساحة 13,775 كيلومتر مربع.
حياة طائر الحبارى الشرقي
النظام الغذائي والبيئة المعيشية
يعتمد طائر الحبارى الشرقي في غذائه على النباتات واللافقاريات مثل الجراد والجنادب والخنافس، وقد يتغذى على الأفاعي والسحالي الصغيرة. اللافت في هذا الطائر أنه لا يشرب الماء مباشرة، وقد يطوف لمسافات تصل إلى 60 كيلومترًا بحثًا عن الغذاء.
النشاط والتكيف
ينشط الحبارى الشرقي في فترات الشفق، وأحيانًا خلال النهار والليل، خاصةً في الليالي المقمرة. يعيش الطائر في الغالب منفردًا، ويتراوح حجمه بين 55 و75 سم. يختلف وزن الذكور والإناث، حيث يتراوح وزن الذكر بين 1,800 و3,200 جرام، بينما يتراوح وزن الأنثى بين 1,200 و1,700 جرام.
التكاثر عند طائر الحبارى الشرقي
طقوس التزاوج
تتجمع ذكور طائر الحبارى في مناطق محددة لاستعراض قوتها، حيث يدافع كل ذكر عن منطقة نفوذه. تختار الأنثى الذكر الأنسب للتزاوج، ثم تبدأ في تجهيز العش في مكان قريب، وقد لا يكون بالضرورة داخل منطقة سيطرة الذكر. قد تحتوي الحضنة الواحدة على فراخ من عدة ذكور.
دورة الحضانة والعناية بالصغار
تحضن الأنثى بيضتين أو ثلاث بيضات في حفرة ضحلة غير مبطنة، غالبًا بالقرب من شجرة قصيرة. تستمر فترة الحضانة من 23 إلى 24 يومًا. تعتني الأنثى بالفراخ لفترة قصيرة قبل أن تغادر العش، وتصبح الفراخ قادرة على الطيران في عمر 35 يومًا. يعتبر التكاثر في السعودية محدودًا، حيث يبلغ عدد الأزواج المتكاثرة حوالي 30 زوجًا سنويًا.
جهود حماية طائر الحبارى من الانقراض في السعودية
بداية جهود الحماية
واجهت طيور الحبارى تناقصًا ملحوظًا في أعدادها نتيجة الصيد الجائر. لحماية هذا النوع من الانقراض، أطلقت السعودية مشروعًا لإكثار وإعادة توطين طيور الحبارى في عام 1986م، وذلك ضمن جهودها للحفاظ على البيئة والتنوع الأحيائي. نجح المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية في الطائف في إعادة توطين الحبارى في محميتي محازة الصيد وسجا وأم الرمث. وفي عام 2005م، أطلقت الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها (سابقًا) 30 طائر حبارى في محمية سجا وأم الرمث.
دور مركز الأمير سعود الفيصل
يعمل مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية على إكثار وإعادة توطين طائر الحبارى بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية. أسس المركز برنامجًا متخصصًا لإكثار طائر الحبارى، ونجح في تفقيس أول بيضة في عام 1989م بعد تطوير طرق التلقيح الصناعي والحضانة. تمكن المركز من إنتاج أعداد كافية، وأُطلق أول فوج منها في الطبيعة عام 1991م في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية (محازة الصيد سابقًا).
نتائج إعادة التوطين
تتميز المحمية بغطاء نباتي متوسط يساعد على حفظ أصول الوراثة لبعض الطيور. بين عامي 1991 و1998، أُطلق 330 طائرًا في المحمية، وبدأت الطيور بالتكاثر طبيعيًا في عام 1995، مسجلة أول أعشاش للحبارى في وسط السعودية بعد انقطاع دام أكثر من 40 عامًا. رفع المركز الإنتاج وفق الانتخاب الوراثي إلى أكثر من 800 طائر في عام 2022.
إطلاق طائر الحبارى في المحميات الملكية
محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية
شهدت محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية إطلاق أعداد كبيرة من طيور الحبارى، مما ساهم في توسيع انتشارها الطبيعي بين المحمية ومناطق تكاثرها المختلفة.
محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية ومحمية الملك خالد الملكية
في عام 2022، أطلقت هيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية، بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، مجموعة من طيور الحبارى داخل المحمية، إضافة إلى محمية الملك خالد الملكية. يأتي ذلك ضمن جهود إعادة توطين الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض في بيئاتها الطبيعية، وإكثار أعدادها، وتنميتها، والمحافظة عليها.
دور المحميات الملكية الأخرى
تعتبر محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية ملاذًا طبيعيًا لطائر الحبارى. تعمل المحمية على تفعيل برامج حفظ ورصد ومتابعة مستمرة لحماية هذا الطائر من الأخطار، ومراقبة لحظات التفريخ الطبيعي خلال هجرته السنوية.
أنشأت هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية مركزًا متخصصًا لإكثار الحبارى بهدف إعادة إطلاقها في مواطنها الطبيعية والاستفادة من فائض الإنتاج في الصيد المستدام. كما أنشأت الهيئة في عام 2025 مركزًا مماثلًا يضم 22 مرفقًا متنوعًا، ويقدم محاكاة لظروف الحياة الطبيعية، بطاقة استيعابية تصل إلى 25 ألف طائر.
دور القطاع الخاص في إكثار طائر الحبارى
مشاركة القطاع الخاص
في عام 2023، منح المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أول تصريح رسمي لإنتاج طائر الحبارى في السعودية لمركز متخصص في منطقة القصيم. يهدف هذا المركز إلى تسريع تغطية حاجة المملكة من الحبارى، وتوفير حلول لزيادة أعداد الكائنات الفطرية بصورة علمية وممنهجة، مما يسهم في رفع مستوى التوازن البيئي وتحسين التنوع الأحيائي. يستهدف المركز إنتاج 15 ألف طائر حبارى بحلول عام 2026.
وفي النهايه :
إن جهود المملكة العربية السعودية في حماية وإكثار طائر الحبارى الشرقي تعكس التزامها بالحفاظ على التنوع البيولوجي والحياة الفطرية. من خلال برامج الإكثار وإعادة التوطين في المحميات الملكية، والشراكة مع القطاع الخاص، تسعى السعودية إلى تحقيق التوازن البيئي المستدام. هل ستنجح هذه الجهود في استعادة أعداد الحبارى إلى مستوياتها الطبيعية، وما هي التحديات المستقبلية التي قد تواجه هذه الطيور في ظل التغيرات البيئية المستمرة؟











