المشاعر المقدسة: قلب الحج وروحانيته
المشاعر المقدسة هي ثلاثة مواقع ذات مكانة عظيمة في مكة المكرمة: مِنى، عرفات (أو عرفة)، ومزدلفة. تقع هذه المشاعر داخل حدود الحرم، باستثناء عرفات. خلال موسم الحج، يؤدي المسلمون في هذه الأماكن عبادات خاصة من اليوم الثامن وحتى الثالث عشر من شهر ذي الحجة. يبدأ الحجاج رحلتهم في مِنى، ثم يتوجهون إلى عرفات، وينتهي بهم المطاف في مزدلفة.
نظرًا لأهميتها البالغة في أداء فريضة الحج، حظيت المشاعر المقدسة باهتمام خاص من المسلمين على مر العصور. وفي العهد السعودي، أولاها ملوك المملكة العربية السعودية عناية فائقة، تجسدت في تطويرها المستمر لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج سنويًا، وتسهيل أداء مناسكهم في هذه المواقع الثلاثة.
تزخر المشاعر المقدسة بالمعالم التاريخية الإسلامية التي لا يزال العديد منها قائمًا حتى اليوم. كما تضم أحد أطول طرق المشاة في العالم، حيث يمتد لمسافة 25 كيلومترًا، بدءًا من جبل الرحمة في عرفات، مرورًا بمزدلفة، وصولًا إلى مِنى. وتشهد المشاعر المقدسة خلال موسم الحج واحدة من أكبر التجمعات البشرية في العالم.
مشعر مِنى: موضع الذكريات والعبادات
أصل تسمية مِنى
يُلفظ اسم مِنى بكسر الميم، وتعددت الروايات حول سبب تسميته. يذكر المؤرخ الفاكهي في كتابه “أخبار مكة” أن الاسم مشتق من اجتماع الناس فيه، حيث كانت العرب تطلق اسم “منى” على أي مكان يتجمع فيه الناس. بينما يرى ياقوت الحموي أن التسمية تعود إلى ما يُمنى من الدماء، أي ما يُراق من الهدي (الذبيحة المشروعة لبعض الحجاج). ويشير ابن عُيينة إلى أن التسمية قد تكون مشتقة من “المنايا”.
الموقع والحدود الجغرافية لمِنى
يقع مشعر مِنى على بعد حوالي 8.4 كيلومترات من المسجد الحرام، وتبلغ مساحته حوالي 16.8 كيلومترًا مربعًا. يقع مِنى داخل حدود الحرم، وهو عبارة عن وادٍ تحيط به الجبال من الشمال والجنوب، ويحده وادي محسّر من جهة مزدلفة.
مِنى هي أولى المحطات التي يتوجه إليها الحجاج في رحلتهم، وذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة.
يضم مشعر مِنى العديد من المعالم الهامة، منها الشواخص الثلاث التي يرميها الحجاج، ومسجد الخيف الواقع على السفح الجنوبي لجبل مِنى. كما يحمل مِنى أهمية تاريخية كبيرة، حيث شهد بيعتي العقبة الأولى والثانية. وفي العام الثاني عشر من البعثة (621م)، بايع 12 رجلًا من الأوس والخزرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تبعتهم البيعة الثانية في العام التالي، بمشاركة 73 رجلًا وامرأتين. كما نزلت سورة المرسلات في هذا المشعر.
منشأة الجمرات: تطوير مستمر لتسهيل النسك
تعتبر منشأة الجمرات جزءًا من مشعر مِنى، وتمتد على مساحة تتجاوز 200 ألف متر مربع، وهي مجهزة لاستقبال الحجاج لرمي جمرة العقبة والجمار الثلاث. تتكون المنشأة من الجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى، والجمرة الكبرى (جمرة العقبة). كانت المنطقة في السابق عبارة عن أرض مستوية تضم ثلاثة أحواض دائرية تمثل الجمرات، ولكنها شهدت تجديدات وتطويرات مستمرة في العهد السعودي.
أصبحت المنشأة حاليًا بيضوية الشكل، وتتكون من عدة طوابق (5 طوابق حاليًا) مع أساسات مصممة لتحمل 12 طابقًا في المستقبل، بارتفاع 12 مترًا لكل طابق. تبلغ الطاقة الاستيعابية للمنشأة حوالي 500 ألف حاج في الساعة.
تضم المنشأة أيضًا 6 مبانٍ خدمية مكونة من 12 طابقًا، ومهابط للطائرات، ومصاعد خاصة لنقل سيارات الإسعاف بين الأدوار. كما تحتوي كل مبنى على 3 محطات كهربائية ومولد كهرباء احتياطي. بالإضافة إلى ذلك، تم تزويد الموقع بنظام تبريد يعمل على تلطيف الجو وخفض درجة الحرارة إلى حوالي 29 درجة مئوية.
إلى جانب تطوير المنشأة، أُعيد تنظيم الموقع لتسهيل عملية التفويج من خلال 11 مدخلًا للجمرات و12 مخرجًا في الجهات الأربع، مما يساهم في الحد من التجمعات. كما تم تنفيذ 4 أنفاق أرضية للسيارات والحافلات تربط منشأة الجمرات بمكة المكرمة، ونظام إحصاء للحجاج ومراقبة متطورة من خلال أكثر من 900 كاميرا، بالإضافة إلى أنظمة حماية وسلامة وإنذار متطورة.
مشعر عرفات: يوم الوقفة العظمى
أصل تسمية عرفات
يُعرف مشعر عرفات أيضًا باسم عرفة، وقد ورد في القرآن الكريم باسم عرفات. هناك عدة أقوال حول سبب تسميته، منها ما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان بأن التسمية جاءت لاعتراف الناس بذنوبهم. بينما قيل في لسان العرب لابن منظور أن الناس يتعارفون فيه.
موقع مشعر عرفات
يعتبر عرفات المشعر الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط محاط بقوس من الجبال يضم جبل الرحمة. يقع على الطريق المؤدي إلى الطائف، ويبعد عن مِنى حوالي 10 كيلومترات، وعن مزدلفة 6 كيلومترات، وعن المسجد الحرام 20 كيلومترًا.
مساحة مشعر عرفات
تبلغ مساحة مشعر عرفات 33 كيلومترًا مربعًا، ويتسع لأكثر من مليوني حاج. في اليوم التاسع من ذي الحجة، يقف الحجاج في هذا المشعر امتثالًا لتعاليم الدين الإسلامي. مشعر عرفات لا ينشط إلا في أيام الحج، ولا يتضمن أي عمران أو سكان باستثناء بعض المنشآت الحكومية. وقد نفذت شركة كدانة للتنمية والتطوير مشروعًا لتحسين منطقة جبل الرحمة لاستقبال الزوار طوال العام.
مشعر مزدلفة: محطة بين عرفات ومنى
أصل تسمية مزدلفة
في اللغة، الزُلف تعني القربة والمنزلة والدرجة. وقد تحدث الفاكهي في كتابه “أخبار مكة” عن مشعر مزدلفة، وأوضح أن سبب تسميته هو أن الناس يزدلفون إليه، ولا يقيمون بأرضه يومًا كاملًا. ومن أسمائه أيضًا: جمع. وبحسب الحافظ ابن حجر، فإن آدم وحواء اجتمعا هناك وازدلف إليها، أي قرب منها. ويذكر قتادة أنها سميت بذلك لأن فيها يُجمع بين صلاتين. وقيل أن التسمية جاءت للنزول بها في كل زلفة من الليل، أو لاقترابها من مِنى. ويرى البعض أنها وصف للذين يجتمعون فيها للعبادة.
مزدلفة هي أحد الأماكن التي ينزل بها المسلمون ويجتمعون عند أداء فريضة الحج، حيث يلتزم الحجاج بالمبيت فيها ليلة العاشر من ذي الحجة (ليلة عيد الأضحى)، ويؤدون صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ويبيتون تلك الليلة حتى صباح اليوم التالي.
موقع وحدود مشعر مزدلفة
يقع مشعر مزدلفة بين مشعري مِنى وعرفات، وهو ثالث المشاعر المقدسة التي ينتقل إليها المسلمون عند أداء فريضة الحج. تبلغ المساحة الإجمالية له حوالي 9.63 كيلومترًا مربعًا. يحده من الغرب وادي محسّر الذي يفصله عن مِنى، ومن الشرق جبلان يُعرفان بـ “مفيض المأزمين”، يقع بينهما طريق مؤدٍ إلى عرفات. أما من الشمال، فيحده جبل ثبير النصع الذي يُسمى أيضًا جبل مزدلفة.
شهد مشعر مزدلفة توسعات وتطويرات في العهد السعودي، وتم تهيئة الساحات للم











