المطاف: قلب المسجد الحرام النابض
المطاف في المسجد الحرام هو المساحة الرخامية المحيطة بالكعبة المشرفة، والتي تعرف أيضًا بـ “صحن المطاف”. هذه المنطقة هي المكان الذي يطوف فيه المسلمون حول الكعبة المشرفة على مدار الساعة، ليلاً ونهارًا. للطواف أنواع متعددة، منها طواف العمرة، وطواف القدوم الذي يؤدّى عند الوصول لمكة للحج، وطواف الإفاضة الذي يعد من أركان الحج الأساسية، بالإضافة إلى طواف الوداع وطواف التطوع.
أرضية المطاف: تبريد طبيعي وراحة دائمة
تتميز أرضية المطاف بروعة الرخام البارد الذي يحافظ على برودته باستمرار، دون أن يتأثر بتقلبات الطقس، بما في ذلك درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف. ويعود ذلك إلى نظام تبريد متطور يمتد تحت الأرض، مما يجعل تجربة الطواف أكثر راحة للزوار.
التوسعات التاريخية للمطاف
بدايات متواضعة وتطور مستمر
في الماضي، كان المطاف ملاصقًا للكعبة المشرفة بسبب ضيق المساحة التي كانت تحيط بها منازل أهل مكة. بدأت عمليات التوسعة مع الزيادات المتتالية التي شهدها المسجد الحرام على مر العصور. لم يشهد المطاف أي توسعات في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
عهد الخلفاء الراشدين: توسعات رائدة
يعتبر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من قام بتوسعة المطاف بعد شرائه للمنازل المحيطة بالمسجد، حيث وضع جدارًا حوله لفصله عن بقية الدور. في عام 26هـ/647م، قام الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بشراء المنازل القريبة من المسجد الحرام، وبدأ توسعة جديدة أُضيفت بها الأروقة لأول مرة إلى أطراف المطاف، مما زاد من استيعاب المصلين والطائفين.
اهتمام الحكام المسلمين عبر العصور
على مر التاريخ، اهتم حكام المسلمين وأمراؤهم بمطاف المسجد الحرام اهتمامًا بالغًا. كان أول من قام بتبليط المطاف هو عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما في عام 64هـ، وأول من فرش أرضه بالرخام هو الوليد بن عبدالملك في عام 119هـ/737م. وقد أتم الخليفة المعتضد العباسي هذا التبليط في عام 284هـ/897م. توالت بعد ذلك التوسعات والإصلاحات العديدة في أرض المطاف والأروقة المحيطة به، وصولًا إلى بداية العهد السعودي.
العناية الفائقة في العهد السعودي
تحديث وتطوير مستمر
في العهد السعودي، شهد مطاف المسجد الحرام تطورات كبيرة، حيث أُزيلت الحصاوي والمشايات والمقامات الأربعة، وخُفِّضت فوهة بئر زمزم، ونُقلت المكبرية والمشايات، مما أدى إلى توسعة مساحة المطاف. فُرشت الأرضية مجددًا بأفخر أنواع الرخام، ووُضع خط محاذٍ للحجر الأسود كعلامة لبداية ونهاية الطواف.
توسعات استثنائية لمواكبة الأعداد المتزايدة
مع تزايد أعداد الزوار والمعتمرين، أُزيل ذلك الخط لتجنب التدافع، ووُسِّع المطاف بطوابق جديدة لرفع طاقته الاستيعابية بما يتناسب مع الأعداد المتزايدة التي تتدفق على الحرم المكي الشريف خلال مواسم الحج والعمرة. نُفّذت توسعة خاصة لزيادة الطاقة الاستيعابية للمطاف ضمن مشروع التوسعة السعودية الثالثة، مما رفع القدرة الاستيعابية من 30 ألف طائف إلى 107 آلاف طائف في الساعة، لضمان استيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج والمعتمرين وتوفير تجربة مريحة وآمنة لهم.
وفي النهايه :
يعتبر المطاف قلب المسجد الحرام، وقد شهد على مر العصور اهتمامًا وتطويرًا مستمرًا من قبل الحكام والمسلمين. هذه الجهود تهدف إلى توفير أقصى درجات الراحة والأمان لزوار بيت الله الحرام، وتمكينهم من أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة. فهل ستستمر هذه التوسعات المستقبلية في تحقيق المزيد من الراحة والروحانية لضيوف الرحمن؟











