مصفاة جازان: محور ارتكاز صناعي ورؤية تنموية للمملكة
تمثل مصفاة جازان، إحدى الركائز الأساسية لمشاريع أرامكو السعودية في قطاع التكرير والبتروكيماويات، صرحًا صناعيًا شامخًا يقع في قلب مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية. هذا المشروع ليس مجرد مصفاة، بل هو رؤية متكاملة للتنمية المستدامة.
تكامل أعمال مصفاة جازان
تتربع المصفاة على مساحة تقدر بـ 12 كيلومترًا مربعًا على ساحل مدينة بيش المطلة على البحر الأحمر، في الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية. هذا المجمع الصناعي الضخم، المملوك بالكامل لـ أرامكو السعودية، يتميز بقدرة تكرير تصل إلى 400 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى الفرضة البحرية ومعمل الغاز ذي الدورة المتكاملة.
تُعتبر هذه المصفاة إضافة نوعية لمنطقة جازان، فهي نتاج استثمار ضخم بقيمة 21 مليار دولار. صُممت المصفاة لإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات عالية الجودة عند تشغيلها بكامل طاقتها الإنتاجية، بما في ذلك البنزين والديزل منخفض الكبريت، بالإضافة إلى مادتي البنزين والبارازيلين، كما توفر المصفاة اللقيم لمحطة الكهرباء التي تعمل بتقنيتي التغويز والدورة المركبة المتكاملة لإنتاج الطاقة الكهربائية والغازات الصناعية.
دور مصفاة جازان الاستثماري
إن إنشاء مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، بالتعاون بين أرامكو السعودية والهيئة الملكية للجبيل وينبع، يعكس التوجه الاستثماري والتنموي الطموح في منطقة جازان. وتُعد هذه المدينة الصناعية محورًا حيويًا للنمو الاقتصادي في المنطقة، ومحركًا رئيسًا للاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية.
تماشيًا مع استراتيجية أرامكو السعودية للتوسع في قطاع التكرير والمعالجة والتسويق، تُعتبر مصفاة جازان خامس المصافي المملوكة بالكامل للشركة داخل المملكة. تهدف هذه المصفاة إلى تلبية الطلب المحلي المتزايد على المنتجات المكررة والطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى دعم النمو الاقتصادي المستدام.
مرافق مجمع مصفاة جازان
تتكامل المشاريع المنفذة في مجمع المصفاة بشكل شامل، حيث يضم العديد من المنشآت والمرافق الحيوية. من بين هذه المرافق محطة كهرباء ضخمة تعمل بتقنية التغويز بالدورة المركبة المتكاملة، والتي تبلغ قدرتها الإنتاجية 3.8 جيجاواط من الكهرباء. ولا يقتصر إنتاج المحطة على تلبية احتياجات المصفاة والصناعات المحلية المتنامية فحسب، بل يمتد لتزويد الملايين من المنازل في المنطقة بالطاقة.
يضم المجمع أيضًا منشأة لتفريغ المخلفات بقدرة 103 آلاف برميل يوميًا، قادرة على إنتاج 3.85 جيجاواط من الطاقة والهيدروجين والبخار، وغيرها من المواد الضرورية لتشغيل المصفاة ومدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية.
توسع أعمال المصفاة استدعى إنشاء العديد من المرافق الحيوية الأخرى، بما في ذلك فرضة بحرية قادرة على استقبال ناقلات النفط الخام العملاقة لتسهيل عمليات التوريد إلى المصفاة وتصدير المنتجات النفطية إلى الأسواق المحلية والعالمية. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء كورنيش بيش الذي يمتد لمسافة 1.7 كيلومتر، ويضم مرفأ لصيادي الأسماك، ومسطحات خضراء، ومراكز خدمات وترفيه متنوعة.
إلى جانب المصفاة والفرضة البحرية، تنفذ أرامكو السعودية عددًا من المشاريع الأساسية والمساندة، بما في ذلك تطوير البنية التحتية لمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، ومعمل متكامل يعمل بتقنية تحويل السوائل إلى غاز، وإنشاء محطة لتوليد الطاقة، والميناء التجاري، ومحطة لتحلية المياه المالحة. كما تشمل هذه المشاريع مد الطرق، وشبكات المياه والصرف الصحي، وإيصال الكهرباء. تهدف هذه المشاريع إلى توفير قاعدة متينة للاستثمارات في الصناعات الثقيلة والثانوية والبتروكيماويات والصناعات المعدنية، بالإضافة إلى الاستثمارات التحويلية الأخرى التي تستفيد من الثروات المعدنية والزراعية التي تزخر بها المنطقة.
الاستدامة في مصفاة جازان
تلتزم مرافق أرامكو السعودية بمبدأ الاستدامة، الذي يشكل الأساس في التخطيط لكافة أوجه الأعمال في مصفاة جازان. يتمثل الطموح الأسمى في تعزيز الكفاءة وتقليل الانبعاثات الكربونية، ويتجسد ذلك في وحدة إزالة رماد السناج، التي تساهم في الحد من انبعاثات الغبار في الجو.
في حين أن الرماد الجاف الذي يتم جمعه أثناء هذه العملية عادةً ما يتم التخلص منه في المرافق الأخرى، إلا أنه في مجمع جازان يتم تمريره إلى مُشغِّل متخصص لاستخلاص المعادن النادرة مثل النيكل والفاناديوم الموجودة في الرماد.
صُمم المجمع برؤى مستقبلية لاستخلاص ما يزيد على 7,200 طن سنويًا من النيكل المستخدم في صناعة العملات المعدنية، والبطاريات، والفولاذ الصلب، والفاناديوم الذي يُستخدم في صناعة المعدات شديدة التحمل، والمحركات النفاثة، وقطع السيارات، ومكونات الآلات.
وفي النهايه :
تمثل مصفاة جازان علامة فارقة في مسيرة التنمية الصناعية في المملكة العربية السعودية، فهي ليست مجرد مصفاة نفط، بل هي مشروع متكامل يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في منطقة جازان. فهل ستنجح هذه المصفاة في تحقيق كامل أهدافها الطموحة، وهل ستكون قادرة على تحويل منطقة جازان إلى مركز صناعي واقتصادي مزدهر؟