مشعر منى: قلب المشاعر المقدسة في موسم الحج
مشعر منى، البقعة المقدسة التي تتفتح فيها قلوب الحجاج، تستقبلهم في رحاب مكة المكرمة، حيث يبدأون مناسك الحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، ويمضون أيام التشريق المباركة. يحتضن هذا المشعر الجمرات الثلاث، ويضم بين جنباته مسجد الخيف، الأقرب إلى المسجد الحرام. يُعرف مشعر منى بأنه أكبر مدينة خيام في العالم، حيث تتجسد فيه معاني الوحدة والتآخي بين المسلمين.
جغرافيا مشعر منى
يتكوّن مشعر منى من وادٍ تحيط به الجبال الشامخة من الشمال والجنوب، ويحده من جهة مكة المكرمة جمرة العقبة، ومن جهة مزدلفة وادي محسر. يغدو هذا الوادي خاليًا من السكان طوال العام، إلا أنه يعج بالحياة في موسم الحج، حيث تنتشر فيه المباني المخصصة لخدمة الحجاج من قبل الأجهزة الحكومية والخدمية.
مساحة مشعر منى
تبلغ مساحة مشعر منى وفقًا للحدود الشرعية حوالي 16.8 كيلومتر مربع، يقضي فيها الحجاج معظم أيام الحج، باستثناء اليوم التاسع من ذي الحجة الذي يقضونه في مشعر عرفات، والليل الذي يليه في مشعر مزدلفة.
تسمية مشعر منى
تتعدد الروايات حول سبب تسمية مشعر منى بهذا الاسم، فمنها ما يذكر أن آدم عليه السلام تمنى فيها الجنة، ومنها ما يشير إلى اجتماع الناس فيها، فالعرب تطلق اسم “منى” على مواضع اجتماع الناس. يقع هذا المشعر على بعد 7 كيلومترات من المسجد الحرام.
أحداث تاريخية في مشعر منى
مشعر منى ليس مجرد مكان، بل هو صفحة من التاريخ، حيث رمى النبي إبراهيم عليه السلام الجمرات الثلاث، وذبح فدية ابنه إسماعيل عليهما السلام. اقتدى به النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. هنا نزلت سورة النصر، وشهدت البيعتين التاريخيتين، بيعتي العقبة الأولى والثانية. يضم مشعر منى مسجد العقبة، الذي بناه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 144هـ/761م. هذه الأحداث التاريخية تضفي على مشعر منى مكانة عظيمة في قلوب المسلمين.
يوم التروية في مشعر منى
في اليوم الثامن من ذي الحجة، يوم التروية، يتوجه الحجاج إلى مشعر منى، حيث يؤدون صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا دون جمع، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويسنون المبيت فيها. بعد الوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة، يعود الحجاج إلى منى في صباح اليوم العاشر من ذي الحجة.
أما الحجاج غير المتعجلين، فيقضون أيام التشريق الثلاثة في مشعر منى لرمي الجمرات الثلاث، بدءًا بالجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى. بينما يكتفي المتعجلون بيومين فقط من أيام التشريق الثلاثة.
كلمة “تشريق” مشتقة من الأصل اللغوي “شرق”، وسُميت بذلك لأن العرب، كما ذكر ابن حجر، كانوا يُشرِّقون لحوم الأضاحي في الشمس، أي يقومون بتقطيع اللحم وتجفيفه ونشره.
معالم مشعر منى
يحتضن مشعر منى العديد من المعالم الهامة، منها:
وادي محسر
في هذا الوادي توقف فيل أبرهة الحبشي عن التقدم نحو مكة المكرمة. يقتدي الحجاج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عند مرورهم بهذا الوادي أثناء حجة الوداع. يبلغ طول الوادي 2 كيلومتر، وعرضه يصل إلى 20 مترًا.
مسجد الخيف
مسجد الخيف هو أحد أبرز معالم مشعر منى. تم توسيعه في عام 1407هـ/1987م، وتبلغ مساحته 23,500 متر مربع، ويتسع لحوالي 25 ألف مصلٍ. يضم المسجد أربع منارات، ومزود بكافة الخدمات من إضاءة وتكييف وفرش، بالإضافة إلى 1700 دورة مياه للرجال والنساء.
تتخذ وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد من المسجد مقرًا للمناشط والبرامج الدعوية التي تقدمها للحجاج، بهدف تثقيفهم بأحكام الحج ومناسكه.
منشأة الجمرات
أُنشئت منشأة الجمرات خصيصًا لتسهيل سير الحجاج أثناء رمي الجمرات الثلاث في أيام الحج، وتشمل: الجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى، والجمرة الكبرى المسماة بجمرة العقبة.
تتكون المنشأة من خمسة طوابق، ارتفاع الواحد منها 12 مترًا، وطاقتها الاستيعابية الحالية 300 ألف حاج في الساعة. صُممت المنشأة بحيث تكون قادرة على تحمل 12 طابقًا، واستقبال خمسة ملايين حاج مستقبلًا. بلغت تكلفتها أكثر من 4.2 مليارات ريال، وتعتبر أول ما يلي مكة المكرمة من منشآت المشاعر المقدسة.
مشروع الخيام في مشعر منى
نُفذ مشروع الخيام المطورة في مشعر منى على مساحة تقدر بنحو 2.5 مليون متر مربع، وفقًا لمواصفات تحقق المزيد من الأمن والسلامة للحجاج، وتستوعب حوالي 2.6 مليون حاج.
استُخدمت في صناعة الخيام أنسجة زجاجية مغطاة بمادة التفلون، وذلك لمقاومتها العالية للاشتعال وعدم انبعاث الغازات السامة منها إلا في درجات حرارة عالية.
تشغل الخيام مساحة 20% من مساحة مشعر منى، وتتوفر فيها 30 ألف رشاش لمكافحة الحرائق، و3 آلاف كاميرا مراقبة، و12 ألف سماعة للإرشاد والتنبيه، و15 ألف وحدة تكييف وتهوية، بالإضافة إلى دورات مياه.
وفي النهايه : يبقى مشعر منى رمزًا للتضحية والوحدة، ومحطة أساسية في رحلة الحج الروحانية، فهل سيظل هذا المشعر قادرًا على استيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج مع الحفاظ على قدسيته وسكينته؟











