مشروع التاريخ الشفوي للدرعية: توثيق ذاكرة الأجيال
في قلب المملكة العربية السعودية، انطلقت مبادرة رائدة لتوثيق تاريخ الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، من خلال مشروع “التاريخ الشفوي للدرعية”. هذا المشروع، الذي أطلقته هيئة تطوير بوابة الدرعية في عام 1441هـ (2020م)، يهدف إلى جمع وتسجيل شهادات شفهية ومصورة لكبار السن من أهالي الدرعية، بهدف حفظ تاريخها الغني وإبراز تراثها الثقافي المتميز.
منهجية مشروع التاريخ الشفوي للدرعية
يعتمد المشروع على توثيق روايات وشهادات كبار السن حول الأحداث التاريخية والتراثية الهامة. يتم ذلك من خلال إجراء حوارات شفهية مصورة، وتسجيل معلوماتهم وقصصهم التي قد لا تكون مدونة في الكتب التاريخية الرسمية. هذه الشهادات تسلط الضوء على جوانب حيوية من تاريخ وتراث الدرعية، مساهمة في إثراء الذاكرة الجماعية.
عملية التوثيق
تتضمن عملية التوثيق تصوير وإنتاج وتسجيل الروايات وفق معايير دقيقة. يتم اختيار الرواة بعناية، ويتم التأكد من ترابط الرواية أو الحدث مع تاريخ المنطقة. يشارك في المشروع متخصصون وخبراء في تاريخ الدرعية، ويتم اتباع أساليب علمية تعتمد على التسلسل الزمني للأحداث والروايات.
التاريخ الشفوي للمرأة في الدرعية
في خطوة لتقدير دور المرأة، أطلقت هيئة تطوير بوابة الدرعية مشروع “التاريخ الشفوي للمرأة في الدرعية” في 2 صفر 1443هـ (9 سبتمبر 2021م). هذا المشروع، الذي يندرج ضمن مشروع التاريخ الشفوي الأوسع، يهدف إلى توثيق الحياة الاجتماعية للنساء في الدرعية وإبراز مساهمتهن في بناء المجتمع المحلي.
محاور المقابلات
تناولت المقابلات محاور متعددة تشمل التعليم، والضيافة، والحرف اليدوية، والعلاقات الاجتماعية، والأكلات الشعبية، والأزياء التقليدية. وقد وثق فريق الأبحاث والدراسات التاريخية بالهيئة عددًا كبيرًا من الروايات بعد إجراء عشرات الساعات من المقابلات والحوارات المرئية مع نساء الدرعية.
التاريخ الشفوي للعرضة السعودية
لم يغفل المشروع أهمية الفنون الشعبية، حيث شمل مبادرة “التاريخ الشفوي للعرضة السعودية”. تهدف هذه المبادرة إلى المحافظة على الإرث التاريخي لفن العرضة، ونقله للأجيال القادمة، وإعادة إحياء قصائده، والتعريف بشعرائه، وتوعية المجتمع بهذا التراث الثقافي الهام.
العرضة السعودية: رمز وطني
تعتبر العرضة السعودية فنًا عرفت به الدرعية، وهي رمز وطني يمثل جزءًا من تراث المملكة وثقافتها. يؤديها الرجال كإحدى صور التلاحم بين القيادة والشعب، وتبث فيهم روح الحماس، وتجسد حب الأرض والوفاء للقائد. كانت العرضة تؤدى سابقًا برقصة السيف استعدادًا للحرب، أما اليوم فهي من أشكال الفلكلور الشعبي للمملكة.
التاريخ الشفوي للدرعية ومحاصيلها الزراعية
كما سجل المشروع شهادات شفوية عن الإنتاج الزراعي للدرعية، الذي كان يشمل العنب والرمان والبرتقال واليوسفي، بالإضافة إلى القمح والتمور وأشجار الأثل. كانت الدرعية مصدرًا غذائيًا هامًا لمنطقة الرياض بفضل إنتاجها المتنوع، الذي كان ينقل عبر الجمال ليُباع في سوق الرياض بالمقيمرة.
وفي النهايه :
مشروع التاريخ الشفوي للدرعية يمثل مبادرة حيوية للحفاظ على ذاكرة وتراث هذه المدينة العريقة. من خلال توثيق شهادات كبار السن وتسجيل رواياتهم، يساهم المشروع في إثراء فهمنا لتاريخ الدرعية ودورها المحوري في تاريخ المملكة العربية السعودية. هل يمكن لمثل هذه المبادرات أن تلهم جهودًا مماثلة في مناطق أخرى من المملكة لحفظ التراث الثقافي الغني؟