كسوة الكعبة المشرفة: تاريخ من الحرير والذهب
كسوة الكعبة هي الثوب الذي يغطي الكعبة المشرفة، ويتم صنعه سنويًا من خيوط الحرير والذهب والفضة. هذا التقليد يعود إلى زمن بناء الكعبة واستمر حتى عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، الذي قام بتنظيم هذه العملية وأمر بإنشاء دار خاصة لصناعة الكسوة في مكة المكرمة عام 1346هـ/1927م. تقع هذه الدار في محلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية.
تبلغ التكلفة السنوية للكسوة حوالي 20 مليون ريال سعودي (عام 2022م). يزن الثوب حوالي 980 كجم، تتوزع بين 760 كجم من الحرير الأسود، و120 كجم من أسلاك الذهب، و100 كجم من أسلاك الفضة. يتكون الثوب من 47 قطعة قماش بعرض 98 سم وارتفاع 14 مترًا. تتم حياكة الكسوة في مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة بأم الجود في مكة المكرمة، التابع للهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، لتكون جاهزة في موعد تغييرها.
تسليم كسوة الكعبة
في 5 ذي الحجة 1443هـ الموافق 4 يوليو 2022م، صدر أمر سامٍ بأن يتم تسليم كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام في يوم عيد الأضحى المبارك، الموافق العاشر من شهر ذي الحجة، وأن يكون استبدالها في غرة محرم من كل عام.
مراحل تصنيع كسوة الكعبة
تتضمن صناعة كسوة الكعبة عدة أقسام فنية وتشغيلية، يعمل بها 220 صانعًا وفنيًّا. تبدأ العملية بالصباغة، حيث يتم تزويد قسم الصباغة بالحرير الطبيعي الخالص. ثم يأتي النسيج الآلي الذي يتضمن العبارات والآيات القرآنية المنسوخة.
قسم المختبر
يقوم قسم المختبر بإجراء اختبارات متنوعة للخيوط الحريرية والقطنية للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة، من حيث قوة شد الخيوط الحريرية ومقاومتها لعوامل التعرية، بالإضافة إلى إجراء الأبحاث والتجارب اللازمة.
الطباعة والتطريز
تأتي بعدها مرحلة الطباعة التي يتكون منها قسم الحزام والتطريز وقسم خياطة الكسوة، ثم وحدة العناية بكسوة الكعبة المشرفة. عند الانتهاء من جميع مراحل الإنتاج والتصنيع، يقام حفل سنوي في منتصف شهر ذي القعدة في مصنع كسوة الكعبة المشرفة، حيث تسلَّم الكسوة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، الذي بدوره يسلمها إلى رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي. وفي عام 1443هـ صدر أمر سامٍ بتسليم كسوة الكعبة في العاشر من شهر ذي الحجة.
المرحلة الأخيرة
تعد ستارة باب الكعبة المشرفة آخر قطعة يتم تركيبها، وهي من أصعب مراحل عملية تغيير الكسوة. بعد الانتهاء منها، يرفع ثوب الكعبة المبطن بقطع متينة من القماش الأبيض، بارتفاع نحو ثلاثة أمتار من الشاذروان (القاعدة الرخامية للكعبة)، في عملية تعرف باسم “إحرام الكعبة”.
تاريخ كسوة الكعبة
يعود تاريخ كسوة الكعبة إلى ما ذكر عن عدنان بن إد، الجد الأعلى للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يعد واحدًا ممن كسوها. وقيل إن تبع الحميري ملك اليمن هو أول من كساها في الجاهلية بعد زيارته لمكة، وهو أيضًا من صنع بابًا ومفتاحًا للكعبة.
الكسوة في الجاهلية والإسلام
بعد تبع الحميري، كساها الكثيرون في الجاهلية، حتى وصلت الأمور إلى قصي بن كلاب، الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم، الذي قام بتنظيمها بعد أن جمع قبائل قومه تحت لواء واحد وعرض على القبائل أن تتعاون فيما بينها. ظهر بعد ذلك أبو ربيعة عبدالله بن عمرو المخزومي، وكان تاجرًا ذا مال كثير، فأشار على قريش أن يكسوا الكعبة سنة وهو يكسوها سنة، فوافقت قريش على ذلك، واستمر هذا التقليد حتى فتح مكة.
الكسوة في العهد الإسلامي
في عهد الدولة الأموية، كانت الكعبة تكسى كسوتين في العام: كسوة في يوم عاشوراء، وأخرى في آخر شهر رمضان استعدادًا لعيد الفطر. اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة، ومع تطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، كانت كسوة الكعبة تصنع في مصر، وكانت باللون الأسود وعليها كتابات بخيوط ذهبية ومزركشة بالفضة.
في عهد الخليفة المأمون، كسا الكعبة المشرفة ثلاث مرات في السنة، وظهرت الكتابة على الكسوة منذ بداية العصر العباسي، حيث كان الخلفاء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها.
الكسوة في العهد السعودي
أول من كسا الكعبة في عهد الدولة السعودية الأولى هو الإمام سعود بن عبدالعزيز عام 1221هـ/1806م، حين كساها بالخز الأحمر، ثم بعد ذلك بسنة كساها باللون الأسود.
تعد أول كسوة سعودية للكعبة المشرفة تصنع في مكة المكرمة تلك التي أمر بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1346هـ/1927م.
وواصل ملوك المملكة العربية السعودية العناية بكسوة الكعبة، وصدرت موافقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز على تحديث وتغيير الأنظمة الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدات الميكانيكية بمصنع كسوة الكعبة بما يوافق الأنظمة المستحدثة. ومثلت هذه الخطوة نقلة تطويرية في مجال صناعة رداء الكعبة المشرفة. كما صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 13 شعبان 1439هـ/29 أبريل 2018م، على تغيير مسمى مصنع كسوة الكعبة المشرفة إلى مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة.
الحكمة من كسوة الكعبة
تعتبر كسوة الكعبة شعيرة إسلامية، وهي اتباع لما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده، فقد ورد أنه بعد فتح مكة كسا الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة بالثياب اليمانية المخططة بالأبيض والأحمر.
وفي النهايه :
تظل كسوة الكعبة رمزًا للإجلال والتبجيل للكعبة المشرفة، وتحكي تاريخًا طويلًا من الاهتمام والعناية من قبل حكام المسلمين على مر العصور. فهل ستشهد هذه الصناعة العريقة مزيدًا من التطور والابتكار في المستقبل؟
