الإمام عبدالله بن سعود: نهاية الدولة السعودية الأولى
الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1771-1818م / 1185-1234هـ)، الإمام الرابع والأخير في عهد الدولة السعودية الأولى. شهدت فترة حكمه نهاية هذه الدولة بعد حصار دام ستة أشهر على الدرعية، حيث واجهت المدينة هجمات من الدولة العثمانية. استسلم الإمام، مفضلاً حقن الدماء والحفاظ على سلامة الأهالي.
نشأة الإمام عبدالله بن سعود
ولد الإمام عبدالله بن سعود في الدرعية عام 1771م / 1185هـ. منذ صغره، أتقن الفروسية وأصبح فارسًا مشهورًا. كان والده، الإمام سعود، ينيبه في إدارة شؤون الدولة أثناء غيابه، كما قاد بعض الجيوش في عهد والده في عدة معارك، أبرزها معركة الصفراء ضد طوسون باشا في عام 1811م / 1226هـ، والتي حقق فيها نصرًا كبيرًا.
تولي الإمام عبدالله بن سعود الحكم
تولى الإمام عبدالله بن سعود الحكم بعد وفاة والده عام 1814م / 1229هـ، بينما كان يقود القوات في الحجاز. عند وصول خبر وفاة والده إليه في عالية نجد، قام رجال جيشه بتقديم التعزية ومبايعته. ثم توجه إلى الدرعية، حيث بايعه أهلها وتوافدت عليه الوفود للمبايعة والتأييد.
تميز عهد الإمام عبدالله بن سعود، الذي استمر خمس سنوات، بسلسلة من المعارك للحفاظ على أمن الدولة السعودية، مما أدى إلى تباطؤ النهضة العلمية والاجتماعية. ومع ذلك، استمر التعليم الديني مزدهرًا منذ عهد الإمام سعود، الذي وضع أسس مكافحة الأمية وإلزامية التعليم. كان هناك عدد من العلماء في كل بلدة يقومون بتدريس العلوم الدينية والعربية في المساجد أو المنازل، وكانت الدرعية أكبر مراكز التعليم الديني في الدولة السعودية، حيث يفد إليها الطلاب من جميع الأنحاء.
معارك الإمام عبدالله بن سعود
كان الإمام عبدالله يدعو القبائل في غزواته إلى عدم التعاون مع الأعداء. أرسل القائد غصاب العتيبي لتولي القيادة العامة والتشكيلات العسكرية حول تربة، النقطة المحورية للدفاع عن الدولة، بينما عاد هو إلى الدرعية لتجهيز القوات. وجهّز حملة عسكرية بقيادة أخيه فيصل إلى تربة، وانضمت إليه القوات والعشائر الموالية من الحجاز وتهامة. في ذي الحجة 1229هـ / 1814م، وصلت قوات كبيرة وإمدادات إلى محمد علي باشا في مكة المكرمة.
وصل الأمير فيصل إلى بسل لمواجهة العثمانيين، ودارت معركة اضطرته للانسحاب أمام قوات محمد علي باشا. احتل محمد علي تربة، ثم زحف إلى خميس مشيط وبيشة وعسير ورجال ألمع وقبائل رفيدة. أرسل الشريف راجح إلى رنية، ثم عاد محمد علي إلى مصر بسبب خلافات مع المماليك، وأمر ابنه طوسون بالزحف على القصيم.
أخذ طوسون يحتل المدن والقرى في طريقه إلى نجد، ولكن الوضع لم يستمر على هذا النحو. ثم أرسل طوسون رسولًا إلى الإمام عبدالله يطلب الصلح، فوافق الإمام بشرط إنهاء الأعمال الحربية والتدخل العثماني في نجد. غادرت القوات العثمانية الرّس إلى المدينة المنورة، ورافق طوسون ممثلون من قبل الإمام عبد الله برسالة إلى محمد علي باشا الذي أيد الصلح.
بعد الصلح، عاد الإمام عبدالله إلى الدرعية منتصرًا، وتوفي طوسون في مصر. عاد الإمام عبدالله لتشكيل إدارات القبائل والمدن، وتعيين الأمراء، وأرسل حسن بن مزروع وعبدالله بن عون برسائل وهدايا إلى محمد علي باشا، لتأكيد التزامه بالاتفاقية. إلا أن محمد علي كان يضمر أمرًا للدولة السعودية، وكشف مرسولا الإمام عبدالله عن نواياه.
حصار الدرعية
جمع محمد علي باشا الجيوش وأمدّته الدولة العثمانية بالرجال والعتاد والمال، وسار بها إبراهيم باشا في 1231هـ / 1815م إلى المدينة المنورة، ثم إلى الحناكية، محاولًا استمالة القبائل بالترغيب والترهيب. نفذ هجمات خاطفة لإظهار قوته، وبعد أن جمع قوة كبيرة، توجه إلى الدرعية، معتمدًا على دكّ الأسوار بالمدافع. قبلت بعض المدن الصلح، وانسحب البعض الآخر لينضم إلى الإمام عبدالله، الذي كان يعيق زحف إبراهيم باشا. استمرار وصول الإمدادات من مصر قوّى صفوف إبراهيم باشا.
في جمادى الأولى 1233هـ / 1818م، وصل إبراهيم باشا إلى مشارف الدرعية، ونزل قرية الملقى، ثم توجه إلى قرية العُلب، وبدأ في إطلاق المدافع على نخيل الدرعية وأسوارها. واجه مقاومة عنيفة أعادته إلى الملقى. بعد ثلاثة أيام من التخطيط، اتجه بكل قواته ونزل قرية العُلب مرة أخرى، وقسّم قواته ما بين وسط الوادي وضفتيه، وعلى المرتفعات الشرقية من الدرعية. في المقابل، كان الإمام عبدالله بن سعود يعد خطته للدفاع عن الدرعية، ويوزع قواته.
التقى الجيشان في مواجهات متفرقة استمرت عشرة أيام، لم يتمكن فيها إبراهيم باشا من التقدم باتجاه الدرعية. وصلت إمدادات متطورة إلى إبراهيم باشا، مما أخل بالتوازن. نفدت المؤن في الدرعية، وقلّت الذخيرة، وغادرت بعض القبائل الدرعية. حاول الإمام عبدالله سد الثغرات، لكنه قرر الخروج من الدرعية مقابل سلامة الأهالي بعد رؤية مئات القتلى.
انتهاء الدولة السعودية الأولى
انتهت الدولة السعودية الأولى بخروج الإمام عبدالله بن سعود من الدرعية وتسليم نفسه إلى إبراهيم باشا بعد حصار دام ستة أشهر. لم يفِ إبراهيم باشا بعهده، فدخل الدرعية مقاتلًا ونكّل بأعيانها وعلمائها، وقتلهم. وصل أمر من محمد علي باشا بتدمير الدرعية تدميرًا تامًا، حتى تحولت إلى خراب.
وفاة الإمام عبدالله بن سعود
جهّز إبراهيم باشا قوة رافقت الإمام عبدالله إلى مصر ثم إلى إسطنبول، وقُتل في ميدان بايزيد بأمر من السلطان محمود في عام 1234هـ / 1818م.
وفي النهايه :
في هذا المقال، استعرضنا حياة الإمام عبدالله بن سعود، الإمام الرابع والأخير للدولة السعودية الأولى، وكيف انتهى عهده بسقوط الدرعية. تطرقنا إلى نشأته، توليه الحكم، والمعارك التي خاضها للحفاظ على الدولة. كما سلطنا الضوء على حصار الدرعية ونهاية الدولة السعودية الأولى، وصولًا إلى وفاة الإمام عبدالله بن سعود. هل كان من الممكن تجنب هذا المصير؟ وهل كانت هناك استراتيجيات أخرى كان يمكن للإمام عبدالله اتباعها للحفاظ على الدولة؟











