الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود: مؤسس الدولة السعودية وتوحيد نجد
الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1133هـ – 1218هـ/1720م – 1803م) هو ثاني أئمة الدولة السعودية الأولى، والابن الأكبر للمؤسس الإمام محمد بن سعود. حكم لمدة تقارب 39 عامًا، وهو الشخصية التي وحدت نجد بضم الرياض إلى حكم الدولة السعودية الأولى بعد صراع دام ثلاثة عقود تقريبًا. كما يُعد مؤسس حي الطريف، الذي يشتهر بأنه من بين أكبر المدن الطينية في العالم، والذي تم تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
نشأة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وُلد في الدرعية، في كنف بيت الإمارة، فهو ابن مؤسس الدولة السعودية الأولى وأول أئمتها الإمام محمد بن سعود، الذي عُرف بعدله وحزمه بين أمراء نجد. والدته اشتهرت برجاحة العقل والرأي السديد.
في صغره، أبدى الإمام عبدالعزيز اهتمامًا كبيرًا بالعلم، واشتهر بأخلاقه الكريمة، ومحبته للعلماء، ورعايته لطلاب العلم، وعطفه على الفقراء، ومناصرته للضعفاء، بالإضافة إلى تواضعه وبساطته وزهده.
أخلاق الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وإنسانيته
كان الإمام عبدالعزيز بن محمد يتميز بعطفه الكبير على أبناء شعبه، حيث كان يوزع الصدقات والأموال، خاصة على الضعفاء والمساكين. كان المحتاجون يأتون إليه من كل مكان، فيعطيهم ما يطلبون بسخاء. خُصص ديوان للعطاء مخصص لطلاب العلم والأئمة والمؤذنين. كانت تُعرض عليه حوائج المساكين، وأحيانًا مطالب لأفراد من العائلة الواحدة، فيأمر بتخصيص نصيب لكل فرد من عطائه.
عند وفاة أي رجل في أي مكان من الدولة، كان أبناؤه يأتون إليه ليخلفوه، فيعطيهم ويكتب لهم راتبًا في الديوان. كان يتفقد الأيتام والضعفاء في الدرعية بنفسه، ويسأل عنهم ويقضي حوائجهم. أما من كان ضعيفًا في مناطق بعيدة عن الدرعية، فكان يأمره بالقدوم إليها ويتكفل بجميع احتياجاته.
الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود قبل الحكم
شارك الإمام عبدالعزيز بن محمد خلال فترة حكم والده في إدارة شؤون البلاد، وكان في مقدمة جيوش الدولة السعودية في معاركها مع خصومها منذ عام 1159هـ/1746م. في عام 1163هـ/1750م، عينه والده قائدًا للجيوش، وتفرغ هو للأمور السياسية في الدولة. لعب الإمام عبدالعزيز دورًا هامًا في الحفاظ على أمن الدرعية، حيث تصدى لحملة عريعر بن دجين، زعيم بني خالد، عام 1172هـ/1758م، التي اتجهت إلى الجبيلة، وقام ببناء سور الدرعية. كما تصدى له مرة أخرى بعد 6 أعوام عندما هاجم الدرعية في 1178هـ/1764م، وساعدت الأسوار في تحصينها وصد الهجوم.
تولي الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الإمارة
تولى الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الحكم في الدولة السعودية الأولى بعد وفاة والده الإمام محمد بن سعود في عام 1179هـ/1765م، وكان عمره آنذاك 46 عامًا. أول أعماله بعد توليه الإمارة في الدرعية كان نقل مقر الحكم من حي الطرفية الذي بناه والده إلى حي الطريف الذي بناه هو، وخصصه مركزًا للحكم والإدارة. يُعد حي الطريف اليوم موقعًا من مواقع التراث العالمي المسجلة في اليونسكو منذ عام 1431هـ/2010م، وقد بنى فيه قصر سلوى، مقر حكم أئمة الدولة السعودية الأولى.
اهتم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود بالتعليم في حدود إمارته، وبتأمين الطرق التجارية التي كانت تعبر من الدرعية، وخاصة طريق الحج. كان يستضيف الحجاج أثناء مرورهم بالدرعية لمدة ثلاثة أيام، ويؤمن لهم كل ما يحتاجونه خلال رحلتهم. أسهم حكم الإمام عبدالعزيز في بناء دعائم الدولة وتثبيتها، واجتمعت له سعة المساحة، وكثرة العدد، وقوة الجيوش، وتوافر المال والرزق، بالإضافة إلى شيوع الأمن والمهابة.
توحيد نجد في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
استمر الصراع بين الدولة السعودية الأولى وأمير الرياض دهّام بن دواس لمدة 30 عامًا تقريبًا، وتراوح بين عداوة صريحة وهدنة مؤقتة وفترات سلم معدودة. خلال حكم الإمام محمد بن سعود وبداية حكم ابنه الإمام عبدالعزيز، عاهد دهام الدولة السعودية على الطاعة أربع مرات، ولكنه نقض عهده في كل مرة. في النهاية، لم يتمكن دهام من الصمود في مواجهة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الذي هاجمه في الرياض نتيجة غدره بأهالي بلدة منفوحة الموالين لآل سعود. حاصر الإمام المدينة، واضطر دهام بن دواس بعد عدة معارك إلى الهرب من الرياض في عام 1187هـ/1773م مع نسائه وأبنائه وبعض أعوانه.
بعد دخول الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى الرياض، أعلن الأمان لمن بقي فيها من أهلها، وأغلق أبواب منازل من رحل منهم لحمايتها من السرقة. أرسل إلى من تبع دهّام بن دواس يؤمنهم ويدعوهم للعودة إلى الرياض، فعاد الكثير منهم إلى بيوتهم. كان دخول الرياض مكسبًا كبيرًا للدولة السعودية من الناحية السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى التخلص من عدو قديم. استفادت الدولة من موقع الرياض عسكريًا في ضم بقية المناطق المحيطة بها، وأظهرت القوة للقوى الأخرى في المنطقة، التي لم تعد تجرؤ على معاداة الدولة السعودية. بقي الإمام عبدالعزيز مدة في الرياض رتب خلالها الأمور الإدارية والاجتماعية في المدينة، وولى عليها عبدالله بن مقرن بن محمد بن مقرن، ثم غادرها عائدًا إلى الدرعية.
حدود الدولة السعودية في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
كان دخول الرياض في حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود نقطة انطلاق للجهات الجنوبية في نجد، بعد أن توسعت الدولة في الجهات الشمالية اتساعًا كبيرًا. في نهاية القرن 12هـ/18م ومطلع القرن التالي، أصبحت نجد موحدة بالكامل. خلال سنوات قليلة، تضاعفت حدود الدولة السعودية الأولى وأصبحت تضم المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية، وجبل شمر، وتهامة، وسراة عسير، ومرتفعات الحجاز. بسط الإمام حمايته على القواسم وساحل عمان وعمان والبحرين. لم تقتصر حروبه على شبه الجزيرة العربية فقط، بل توجه إلى العراق بجيشه ردًا على اعتداءات من والي الدولة العثمانية في العراق. في مطلع عام 1218هـ/1803م، دخل بجيشه إلى مكة المكرمة سلمًا دون حرب بقيادة ابنه سعود (الإمام سعود لاحقًا).
وفاة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
بعد اتساع رقعة الدولة الأولى والانتصارات المتتالية التي حققها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في شبه الجزيرة العربية، اغتيل على يد أحد أعداء الدولة السعودية أثناء أدائه صلاة العصر في مسجد الطريف بالدرعية في أواخر رجب عام 1218هـ/1803م، بعد 39 عامًا قضاها في الحكم.
وفي النهايه :
تظل فترة حكم الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود علامة فارقة في تاريخ الدولة السعودية الأولى، حيث شهدت توسعًا وتوحيدًا لمناطق واسعة من الجزيرة العربية، ووضع الأسس لدولة قوية ومزدهرة. كيف أثرت هذه الفترة على التطورات اللاحقة في المنطقة؟











