الدوم: شجرة شامخة في بيئات المملكة العربية السعودية
تُعد شجرة الدوم (Hyphaene theebaica) إضافة مميزة للفصيلة النخلية (Palmae)، إذ تتميز بقامتها الطويلة وتوفيرها الظلال الوارفة. تنتشر هذه الشجرة بكثافة في سهول تهامة وعلى امتداد ضفاف الأودية الساحلية الرطبة في أنحاء المملكة العربية السعودية. تشكل أشجار الدوم على طول هذه الأودية وروافدها تجمعات كبيرة أشبه بالأدغال، لتصبح مأوى للعديد من الكائنات الفطرية. وتُعرف هذه الشجرة بأسماء مختلفة، مثل: الطَّفْي، والخَبَار، والبَهَش.
مواطن شجرة الدوم في السعودية
تزدهر أشجار الدوم في المناطق المرتفعة بجوار شجر الأراك، وتمتد إلى المناطق المنخفضة المجاورة لأشجار القرم والقندل، خاصةً في خلجان الأودية المتصلة بشاطئ البحر الأحمر. قد تنمو هذه الأشجار على ارتفاع يزيد عن 1,000 متر في أودية تهامة قحطان القريبة من الفرشة، وكذلك على ارتفاع 700 متر عند ملتقى وادي دفا بأعالي وادي بيش في منطقة جازان جنوب غربي المملكة، لتشكل غابات كثيفة يصعب عبورها.
تنمو أيضًا بأعداد كبيرة على ضفاف وادي يخرف، أحد روافد بيش، وعلى سفوح جبل دقنا غرب وادي الخيطان، على ارتفاع 1,200 متر. بالإضافة إلى ذلك، توجد في بطن شعيب ندي، بالقرب من مستعمرة صغيرة من نخيل الغضف (الشطب)، وتنبت بأعداد أقل على ضفاف الأودية الفيضية الفحول المنحدرة شرقًا من جبال السراة، وفي جبال الحجاز بأعداد قليلة جدًا جنوب غربي المدينة المنورة، على ضفاف وادي العقيق في منطقة حمراء الأسد.
مناطق انتشار أخرى
تظهر أشجار الدوم أيضًا في خلص آرة (السدة)، والأودية القريبة من الحناكية والصويدرة شرقي المدينة المنورة، وشمالًا على ضفاف وادي الغرس (وادي الدوم) جنوبي خيبر، وبالقرب من مزارع النخيل في الأودية والشعاب حول خيبر، على ارتفاع يتراوح ما بين 700 و850 متر. وفي أقصى شمال جبال الحجاز، تنمو بأعداد قليلة من الدفلى في وادي قراقر، أحد أودية جبال الديسة جنوب جبال مدين.
يذكر أن تفسير قوله تعالى “كذب أصحاب الأيكة المرسلين” يشير إلى أن معظم أشجارها كانت من الدوم. وما زال لفظ الأيكة يُطلق على قاع بالقرب من البدع، حيث ينتهي سيل وادي عُفال قبل أن ينحرف غربًا نحو البحر الأحمر. إلا أن هذه المنطقة اليوم تكاد تخلو من النبات، باستثناء قليل من النخيل والأثل وشجيرات متناثرة، ولا توجد فيها أشجار الدوم.
الخصائص المميزة لشجرة الدوم
تصل شجرة الدوم إلى ارتفاع يتراوح بين 10 و20 مترًا، وتتميز بجذع أسطواني ليفي، مغطى بنتوءات ناتجة عن قواعد أعناق الأوراق القديمة. يتفرع الجذع إلى فروع ثنائية مستقيمة، وهي حالة فريدة بين أنواع الفصيلة النخلية. الأوراق راحية تشبه المهفة، ذات شطف شعاعية تظهر مجتمعة على قمم الأفرع، تحملها أعناق طويلة تنتهي بأشواك حادة معكوفة باتجاه الرأس.
تزهر الشجرة في الربيع بأزهار نجمية صغيرة صفراء، تخرج ملتصقة بكثافة على نحو أربعة أو خمسة رؤوس، تتشعب من أقناء غمدية طويلة، ورائحتها طيبة. يتم التلقيح بواسطة الرياح، وسرعان ما تتساقط الأزهار، تاركةً تحت الشجرة لونًا أصفر كثيفًا. تتطور الأزهار إلى ثمار بنية محمرة بيضاوية، بحجم حبة زيتون صغيرة، تنمو لتصبح بحجم تفاحة صغيرة، وتتحول إلى اللون البني الغامق ثم البني المسود اللامع عند النضج التام. تبقى الثمار على الشجرة لفترة طويلة، وقد تظهر الثمار الحديثة دون أن تتساقط الثمار القديمة.
الفوائد الجمة لشجرة الدوم
تتميز شجرة الدوم بفوائدها المتعددة، حيث يُستفاد من جميع أجزائها، سواءً الأخشاب، أو الألياف، أو الثمار، أو البذور، أو الظلال. كانت الأخشاب تستخدم في بناء وتسقيف البيوت (العشش)، ويُروى أن قصي بن كلاب استخدم جذوع الدوم وجريد النخل في إعادة بناء الكعبة وسقفها.
تُستخدم الجذوع في جبال الكويرة وبواط -من ديار جهينة- في صناعة خلايا النحل، بعد قطع خوصه، ثم تجفف لأيام، وتنقع في الماء حتى تلين، لتصنع منها البُسط (الهدوم)، والقفاف، والزنابيل، والسلال، وسرر الخشب (القعائد)، والمكانس، والحبال، والمهفات، وسفر الطعام، ومهاد الأطفال (الميازب)، والمظلات (القبعات) التي تلبسها النساء في مواسم الصرام وخلال الرعي، وكذلك الحصر التي تُشد على ظهور الجمال لحمل الأمتعة.
استخدامات ثمار الدوم
يتناول البعض ثمار شجرة الدوم، حيث يأكلون طبقة الليف الواقعة بين غلاف النواة والقشرة الخارجية البنية التي تُكشط، ليظهر ما تحتها بلون بني مصفر، وله رائحة طيبة وطعم يشبه الخبز الخمير. يمكن نقع الثمرة بعد تقشيرها، ثم يُشرب الماء. الغلاف الداخلي للثمرة ليفي أيضًا، متوسط الصلابة، ويحتوي على نواة داخلية بنية اللون، بحجم بيضة الحمام، صلبة جدًا، وهي من الداخل بيضاء مجوفة كثمر جوز الهند، وتختزن سائلًا حلوًا يُشرب. تسمى هذه النواة في جازان “الفرصة”. وتوفر شجرة الدوم ظلالًا وارفة، مما يجعلها مكانًا مفضلًا للجلوس تحتها اتقاءً للحرارة.
أشار عبدالله فيلبي، الذي زار جازان عام 1354هـ/1936م، إلى أن ثمار شجرة الدوم كانت تصدّر بكميات كبيرة إلى عدن في اليمن، ومصوع في إريتريا، حيث كانت تستخدم في صناعة العاج المزيف.
وفي النهايه :
تظل شجرة الدوم رمزًا للتكيف والمنفعة في البيئات القاسية، حيث تجمع بين الفوائد الاقتصادية والبيئية، وتذكرنا بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الطبيعي. هل يمكن أن تساهم الأبحاث المستقبلية في استكشاف المزيد من الفوائد الكامنة في هذه الشجرة؟







