استكشاف البحر الأحمر: رحلة علمية لكشف أسرار أعماقه
في رجب 1443هـ (فبراير 2022م)، أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في المملكة العربية السعودية رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر، وهي بعثة علمية استكشافية تهدف إلى إجراء أول مسح شامل لبيئات المياه السعودية في البحر الأحمر. تمثل هذه الرحلة منعطفًا هامًا في فهمنا لهذا النظام البيئي الغني والمتنوع.
أهداف رحلة العقد الطموحة
تعددت أهداف رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر، وشملت:
- دراسة توزيع المرجان وتنوعه في المناطق العميقة.
- فحص التنوع الأحيائي، من الكائنات الدقيقة إلى الثدييات البحرية الضخمة.
- دراسة الكائنات البحرية في المياه العميقة والمتوسطة، بالإضافة إلى أنواع الثدييات وتنوع الموائل البحرية.
- تحليل الخواص الكيميائية والفيزيائية للبحر الأحمر.
- رسم خرائط لقاع البحر في المناطق الساحلية والأعماق.
مسار الرحلة والاكتشافات الأولية
انطلقت رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر من ميناء جدة الإسلامي، وغطت مسافة تمتد من منطقة عفيفي جنوبًا إلى خليج العقبة شمالًا. خلال 19 أسبوعًا، حقق الباحثون اكتشافات مهمة، من بينها الثقوب الزرقاء جنوب البحر الأحمر وتسجيل أربعة أنواع من المرجان لم تكن معروفة من قبل على مستوى العالم.
تفاصيل الرحلة وفريق العمل
شارك في هذه الرحلة 126 باحثًا من 18 جنسية مختلفة، يعملون على متن سفينتي الأبحاث: أوشن إكسبلورر و العزيزي. تم التعاون مع مؤسسات علمية وبحثية مرموقة مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، بالإضافة إلى مشاريع نيوم، أمالا، و البحر الأحمر.
نتائج ملموسة وجهود مكثفة
أسفرت الرحلة عن جمع حوالي 800 عينة بيولوجية متنوعة، ورسم خرائط تغطي مساحة 62,758 كم2 من قاع البحر. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ 44 رحلة استكشافية بواسطة غواصات مأهولة، و133 رحلة استكشافية باستخدام غواصة عن بُعد، ومسح جوي غطى مساحة 3,783 كم2. كما جمعت 2,048 عينة حيوية لاختبار الحمض النووي، و235 عينة من الرواسب الأساسية من أعماق البحر، و150 عينة للشعاب المرجانية الحية.
اكتشافات غير مسبوقة في أعماق البحر الأحمر
الثقوب الزرقاء: كنوز الجنوب
اكتشف الباحثون حوالي 20 ثقبًا أزرق على طول السواحل الجنوبية، والتي تمثل أنظمة بيئية فريدة وغنية بالتنوع الأحيائي. هذه الثقوب هي موطن لمجموعة متنوعة من الكائنات البحرية، بما في ذلك السلاحف، الأسماك، الثدييات البحرية، واللافقاريات.
الحياة البحرية النادرة والاكتشافات الجينية
تم اكتشاف تسلسل حمض نووي يؤكد وجود القرش الأبيض الكبير ومجموعة من القشريات تحت الماء، بالإضافة إلى أنواع جديدة لم تكن معروفة من قبل. كما تم رصد كائنات بحرية نادرة في الأعماق، واكتشاف مداخن نشطة قديمة تدعم وجود حياة بحرية مميزة شمالي جزر فرسان.
الشعاب المرجانية والمسوحات الجوية
تم العثور على شعاب مرجانية نابضة بالحياة وبحيرات مالحة، مما يعزز فرص رياضة الغوص. وكشف المسح الجوي عن وجود 491 عملاقًا بحريًا، بما في ذلك الحيتان، الدلافين، وأنواع مختلفة من أسماك القرش.
سلوكيات فريدة للحياة البحرية
كشفت الرحلة أن أسماك القرش تصل إلى أعماق أكبر في المياه الدافئة، وأن حيتان برايد تتكاثر في البحر الأحمر. كما تم رصد سلوك غريب للدلافين التي تلجأ مع صغارها إلى الثقوب الزرقاء للاحتماء من المفترسات.
الكائنات المرجانية في الأعماق
رصدت الرحلة كائنات مرجانية تعيش تحت عمق يزيد على 1000 متر، قادرة على البقاء لفترات طويلة دون أكسجين وفي درجات حرارة تصل إلى 33 درجة مئوية.
تطبيقات صناعية محتملة
تم وضع كتالوج لجينات الكائنات الدقيقة في البحر الأحمر، مع تطبيقات صناعية محتملة في مجالات الدواء، الطاقة، الأغذية، والتجميل، بالإضافة إلى اكتشاف إضاءات كربونية في الأعماق.
إعادة بناء التغيرات البيولوجية
ربط الباحثون تسلسل الحمض النووي بتقييمات لأعمار رواسب قاع البحر لإعادة بناء تغيرات التنوع البيولوجي للأنواع منذ 1800 عام، مما يوفر تقييمًا دقيقًا للتغيرات البيئية.
العمليات البركانية والتنوع البيولوجي
سلطت الرحلة الضوء على دور العمليات البركانية في تشكيل البحر الأحمر ودعم تنوعه البيولوجي الفريد.
وفي النهاية:
رحلة العقد لاستكشاف البحر الأحمر لم تكن مجرد مسح علمي، بل كانت نافذة فتحت على عالم مليء بالأسرار والاكتشافات. من الثقوب الزرقاء إلى الكائنات النادرة، كشفت هذه الرحلة عن كنوز دفينة في أعماق البحر الأحمر، وأكدت على أهمية الحفاظ على هذا النظام البيئي الفريد. هل ستؤدي هذه الاكتشافات إلى تغيير نظرتنا إلى البحار والمحيطات، وهل ستساهم في تطوير صناعات جديدة ومستدامة؟ يبقى المستقبل يحمل الإجابات.






