حمام الحرم المكي: رمز السلام في أقدس البقاع
حمام الحرم المكي، المعروف أيضًا بـ حمام الحِمى أو حمام رب البيت كما يسميه أهل مكة، يشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية المدينة المقدسة. يعتبر هذا الحمام معلمًا بارزًا، يحظى بتقدير خاص، حيث يُمنع منعًا باتًا قتله أو إزعاجه، سواء كان الشخص مُحرمًا أو غير مُحرم.
لطالما تغنى الشعراء بجمال حمام الحرم المكي في قصائدهم، وأصبح مضربًا للأمثال في الثقافة الإسلامية.
أصول حمام الحرم المكي
روايات تاريخية متعددة
يتميز حمام الحرم المكي بنقائه الوراثي، إذ لا يختلط بغيره من الأنواع. تتعدد الروايات حول أصل هذا الحمام. يشير محمد بن عبدالله الأزرقي إلى أن أصوله تعود إلى نسل طير الأبابيل التي أرسلت على جيش أبرهة لهدم الكعبة. بينما يذكر السيوطي رواية أخرى تربط أصله بالحمامتين اللتين بنتا عشهما على غار ثور أثناء هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. وهناك من يزعم أن أصوله أوروبية، إلا أن هذا لم يثبت بشكل قاطع.
السمات المميزة لحمام الحرم المكي
يتميز حمام الحرم المكي بمظهره الفريد، حيث يغلب على ريشه اللون الرمادي المائل للاخضرار أو الأزرق الفاتح. تميل منطقة الرأس والرقبة إلى اللون الأزرق الداكن اللامع. يتميز طرفا الأجنحة والذيل باللون الأسود، وهي سمة لا توجد في أنواع أخرى من الطيور. يتشابه حمام الحرم المكي في مظهره بشكل ملحوظ.
العناية بحمام الحرم المكي: تقليد راسخ
مظاهر التقدير والرعاية
يحرص الزوار من المعتمرين والحجاج على تقديم الماء والحبوب لحمام الحرم المكي، طلبًا للثواب والأجر.
جذور تاريخية عميقة
إن اهتمام أهل مكة وزوارها بحمام الحرم ليس وليد العصر الحديث، بل هو تقليد يعود إلى قرون مضت. تشير المصادر التاريخية إلى وجود بئر تحت جبل أبي قبيس في الجهة الشرقية من مكة، كانت تُعرف بـ “بئر الحمام”، حيث يجتمع الحمام ليشرب منها ثم ينطلق محلقًا.
في العصر الحديث، قام أحد سكان مكة بتخصيص وقف يخصص ريعه لإطعام حمام الحرم المكي، وتم تسجيل ذلك في سجلات الأوقاف.
جهود مؤسسية للعناية بالحمام
تولي الأوقاف المخصصة لحمام الحرم المكي اهتمامًا خاصًا بتقديم الغذاء والماء له. بالإضافة إلى ذلك، قامت أمانة العاصمة المقدسة ببناء ستة أبراج مخصصة لإيواء الحمام بعد غروب الشمس، وتقع هذه الأبراج حول جسر الحجون بالقرب من مقبرة المعلاة.
حمام الحرم المكي في الأدب والتراث
حضور دائم في الوصف الأدبي
من النادر أن نجد وصفًا للبيت الحرام من رحالة أو أديب دون الإشارة إلى حمام الحرم. يصف محمد لبيب التبنوني المصري في كتابه “الرحلة الحجازية” كيف يملأ حمام الحرم سطوح الحرم ومنافذه، ويعشش في كل مكان. ويذكر أن الحمام يجتمع بأعداد كبيرة في صحن الحرم، خاصة في الجهة الشرقية، حيث توجد أحواض لشربه ومكان مخصص لإلقاء حب القمح. ويشير إلى أن هذا الحمام المستأنس يكاد يرفرف على رؤوس الناس، لأنه لم ير منهم إلا اللطف والأنس. ويؤكد التبنوني أن هذه الخصيصة لا تقتصر على الحمام فقط، بل كل حيوان يدخل الحرم فهو آمن، ويرى أن وجود الحمام بكثرة في الحرم يعود إلى سهولة استئناسه وقلة نفوره.
وفي النهايه :
يتجلى من خلال استعراضنا لتاريخ حمام الحرم المكي وأصوله وصفاته، والعناية التي يلقاها من أهل مكة والزوار، بالإضافة إلى حضوره في التراث المكتوب، أن هذا الحمام ليس مجرد طائر، بل هو رمز للسلام والأمان والبركة في أقدس بقاع الأرض. فهل سيظل هذا التقليد العريق مستمرًا، محافظًا على مكانة هذا الحمام في قلوب المسلمين؟
