حقل عين دار النفطي: تاريخ من التوسع والابتكار في الإنتاج
حقل عين دار، الواقع غرب مدينة بقيق في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، يمثل قصة من الاكتشافات النفطية والتطورات التكنولوجية المتلاحقة. بدأ الحقل رحلته في 30 جمادى الأولى 1367هـ الموافق 10 أبريل 1948م، حين استُخدم برج الحفر في بئر عين دار رقم (1). وفي 22 يوليو من العام نفسه، تحقق الاكتشاف الكبير بتدفق النفط بكميات هائلة على عمق كيلومترين في المنطقة العربية (د). تبع ذلك حفر بئر ثانية على بعد 5 كيلومترات جنوب البئر الأولى، ومع نهاية العام، استمر العمل في حفر بئر عين دار رقم (3) على بعد 5 كيلومترات أخرى إلى الجنوب.
توسعة وتطوير حقل عين دار
شهد حقل عين دار توسعات كبيرة، تجسدت في افتتاح معمل حقل الغاز في شعبان 1378هـ الموافق فبراير 1959م. كان هذا المعمل يحقن حوالي 200 مليون قدم مكعبة من الغاز المصاحب للحفاظ على الضغط في حقلي عين دار وشدقم، اللذين يقعان ضمن حقل الغوار الأكبر.
زيادة الطاقة الإنتاجية
في عام 1391هـ الموافق 1971م، وفي إطار سعي أرامكو السعودية لزيادة إنتاجها من الطاقة، جرت توسعة في معمل فرز الزيت عن الغاز رقم (1) في منطقة عين دار. أُضيفت مصيدتان حديثتان لفصل الغاز عن الزيت القادم من مناطق الإنتاج، بهدف حقن جزء كبير من الغاز الطبيعي في مكامن الزيت للحفاظ على الضغط.
تحسين الإنتاج: تقنيات مبتكرة
تحسين الإنتاج في قطاع النفط والغاز يتطلب تبني تقنيات متطورة، من بينها حقن مياه البحر. ومع ذلك، قد يؤدي تفاعل ملح مياه البحر مع التكوينات الجوفية إلى مشكلات، مثل انسداد مسام المكمن، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج. لذا، تبرز أهمية إزالة الملح قبل الحقن، وهي عملية تُعرف بـ “إزالة الكبريت”.
محطة إزالة الكبريتات العملاقة
لتعزيز الإنتاج، قامت أرامكو السعودية بتشغيل إحدى أكبر محطات إزالة الكبريتات في العالم في حقل عين دار. في محرم 1442هـ الموافق سبتمبر 2020م، بدأت الشركة تشغيل خمس وحدات عملاقة لإزالة الكبريتات على الحدود الشرقية لمكمن الغوار، أكبر مكمن للنفط والغاز في العالم. جاء هذا التشغيل بعد توقيع العقد في يناير 2018م وبدء التنفيذ في أكتوبر من العام نفسه، واستغرق بناء المعمل 21 شهرًا.
تفاصيل تقنية حول إزالة الكبريتات
توفر وحدات إزالة الكبريتات أكثر من 12 ألف جالون من المياه في الدقيقة لاستخدامها في تحسين استخلاص النفط. عبر كل وحدة، تضخ المنشأة التي تبلغ مساحتها 100 ألف متر مربع مياه الخليج عالية الضغط، المنقولة من معمل أرامكو السعودية لمعالجة مياه البحر في القرية، عبر مرشحات دقيقة لحقنها في حقلي عين دار وفزران في الغوار.
تعمل هذه الوحدات على خفض نسبة الكبريتات في مياه البحر من 4,400 جزء في المليون إلى أقل من 200 جزء في المليون. تزيل المرشحات ذات الأغشية النانوية الأملاح الكبيرة المذابة، مثل الأيونات ثنائية التكافؤ والأكبر منها، والأيونات ذات الشحنة الإلكترونية 2 والأكبر. وعلى الرغم من أن الأملاح والأيونات المذابة الصغيرة أحادية التكافؤ تمر عبر المرشحات، إلا أنها لا تؤثر على تكوين المكمن.
إعادة حقن المياه المنتجة
وفقًا لهذه العملية، تُرسل المياه المنتجة من مرفق عين دار إلى مكمني شمال الغوار والفاضلي الأدنى. تتميز مكامن النفط في المملكة بمعدلات حرق غاز منخفضة لكل برميل، ومعدلات منخفضة كذلك في إنتاج المياه، مما يقلل من الشوائب الناتجة من كل وحدة نفط، ويقلل الحاجة إلى الطاقة لفصل السوائل ومناولتها ومعالجتها وإعادة حقنها، وهو ما يساهم في تقليل كثافة الكربون في قطاع التنقيب والإنتاج.
تقنيات إنتاج حديثة
في إطار التحديث المستمر، بدأت أرامكو السعودية في رجب 1438هـ الموافق أبريل 2017م استخدام أول جهاز حفر صممه مهندسو الشركة وصُنع حسب مواصفاتها في عين دار. أتاح هذا الجهاز، الذي بدأ بحفر البئر الأولى، لطاقم المشغلين والمهندسين السعوديين فرصة اختبار قدرات أحدث جهاز حفر في المملكة ومنطقة الخليج.
مميزات جهاز الحفر المتطور
يُعد جهاز الحفر هذا الأكثر تطورًا من الناحية التقنية في المملكة والمنطقة، بقوة تبلغ 3 آلاف حصان، مما يتيح له حفر آبار بعمق 30 ألف قدم. تتيح أنظمة التحكم بطين الحفر وخزان الأسمنت لطاقم الحفر التحكم بالضغط أثناء الحفر، كما أن نظام منع ثوران البئر معتمد لتحمل نحو 15 ألف رطل في البوصة المربعة.
زيادة الإنتاج في عين دار وفزران
أنجزت أرامكو السعودية أعمال الإنشاءات في مشروعي زيادة الإنتاج في عين دار وفزران، وذلك بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ 175 ألف برميل في اليوم.
وفي النهايه :
حقل عين دار يمثل نموذجاً للتطور المستمر في صناعة النفط بالمملكة العربية السعودية، من خلال تبني أحدث التقنيات وتطوير البنية التحتية، تسعى أرامكو السعودية لتعزيز كفاءة الإنتاج وتقليل الأثر البيئي، فهل سيستمر الحقل في لعب دور رائد في تلبية الطلب العالمي على الطاقة، وما هي التقنيات المستقبلية التي ستساهم في تعزيز مكانته؟
