جزيرة تاروت: تاريخ عريق وتنمية واعدة
جزيرة تاروت، جوهرة في المملكة العربية السعودية، ليست مجرد بقعة ذات أهمية اقتصادية وبيئية، بل هي كنز تاريخي يعود إلى أكثر من 5000 عام قبل الميلاد. هذا يجعلها من أقدم المناطق المأهولة في شبه الجزيرة العربية، ورابع أكبر جزيرة في الخليج العربي بعد قشم وبوبيان والبحرين.
تاريخ تاروت: نافذة على الماضي
أسماء عبر العصور
عرفت جزيرة تاروت قديمًا بأسماء مختلفة مثل تيروس وعشتاروت، وهي تسميات تعود إلى الفينيقيين الذين استوطنوا الجزيرة قبل هجرتهم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
حقبة التكوين
تكوَّنت الجزيرة في عصر البليستوسين، أو العصر الجليدي، وتزخر بتضاريس متنوعة وغطاء نباتي كثيف من أشجار النخيل، مما جعل الزراعة والصيد من أهم مصادر الرزق لسكانها.
دورها التاريخي
كانت جزيرة تاروت مركزًا حيويًا في مملكة دلمون، ولعبت دورًا محوريًا في تاريخ المنطقة. يظهر ذلك جليًا من خلال الآثار المكتشفة التي تعود إلى قرون عديدة، مما يعكس استمرارية الاستقرار البشري فيها بشكل نادر مقارنة بالعديد من المواقع الأثرية الأخرى حول العالم. كما كان لها دور كبير في التجارة بالخليج، حيث اعتمدت عليها بلاد الرافدين والمناطق الساحلية الأخرى في شرق شبه الجزيرة العربية، وكانت تربطها علاقات قوية مع العديد من المراكز الحضارية في المنطقة.
جغرافيا جزيرة تاروت
تقع جزيرة تاروت في الجانب الشرقي من المملكة العربية السعودية، مقابل سواحل محافظة القطيف، وتحديدًا في وسط خليج تاروت. يحد الخليج رأس تنورة من الشمال وميناء الملك عبد العزيز في الدمام من الجنوب. تعتبر من الجزر السعودية التي يقطنها السكان.
أبعاد وموقع
يبلغ طول جزيرة تاروت حوالي 6 كيلومترات، بينما يصل متوسط عرضها إلى 3.5 كيلومترات، وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 20.3 كيلومترات مربعة. تبعد الجزيرة عن الساحل السعودي حوالي 0.5 ميل بحري، أي ما يعادل 1 كيلومتر تقريبًا، ويمكن الوصول إليها عبر ثلاثة طرق برية تربطها بمدينة القطيف: طريق الرياض، طريق أحد، وطريق شارع عمار بن ياسر من الناحية الشمالية.
المواقع الأثرية في جزيرة تاروت
تضم جزيرة تاروت أكثر من 11 موقعًا تراثيًا هامًا، من بينها:
قلعة تاروت
تقع قلعة تاروت وسط غابة من النخيل على قمة تلٍّ يتوسط الجزيرة، جنوب غرب البلدة القديمة في شرق محافظة القطيف. تعتبر الأعلى من بين المرتفعات في المحافظة. تتكون القلعة من أربعة أبراج، بقي منها ثلاثة، بينما انهار البرج الرابع خلال إحدى المعارك التاريخية. تتميز القلعة بشكلها البيضاوي الذي يحاكي التضاريس الطبيعية التي بنيت عليها.
بلدة دارين
تقع بلدة دارين في الركن الجنوبي لجزيرة تاروت، وكانت في السابق جزيرة صغيرة منفصلة عن الجزيرة الأم تاروت، ومحاطة بمياه ضحلة، إلى أن تم ردم القناة المائية الفاصلة بينهما في عام 1399هـ/1979م. اشتهرت دارين بمرفئها البحري وسوقها النشطة، حيث كانت مخزنًا للبضائع التي تجلبها السفن والمراكب البحرية، مثل المسك والعطور والتوابل وأنواع الأقمشة والمنسوجات والسيوف، وكانت مركزًا لتجارة اللؤلؤ في القطيف.
التوجه التنموي لجزيرة دارين وتاروت
رؤية مستقبلية
بهدف تعظيم الاستفادة من الميزات النسبية للجزيرة في النواحي التراثية والبيئية والسياحية، أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، في عام 1444هـ/2022م عن اعتماد التوجه التنموي لجزيرة دارين وتاروت والمبادرات المستقبلية للجزيرة، وإنشاء مؤسسة تطوير جزيرة دارين وتاروت.
تخصيص الميزانية
لتنفيذ برامج ومبادرات التوجه التنموي، تم تخصيص ميزانية تقديرية بقيمة مليارين و644 مليون ريال، وتم تحديد المقومات والمزايا النسبية والتنافسية للجزيرة وفق ثلاث ركائز رئيسة لرسم مستقبل جزيرة دارين وتاروت، وهي: الحفاظ على الجانب الثقافي والتراثي التاريخي للجزيرة، وإحياء المواقع الطبيعية والبيئية، والارتقاء بجودة الحياة وتعزيز اقتصادها السياحي.
مبادرات التطوير
في إطار تحقيق مستهدفات التوجه التنموي للجزيرة، تم تطوير أكثر من 19 مبادرة نوعية. على الجانب الثقافي، سيتم تطوير قلعة ومطار دارين كوجهتين سياحيتين تراثيتين، وإقامة عدة مهرجانات ثقافية وتراثية في الجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء مسارات متعددة للمشاة تتخلل المناطق التراثية في الجزيرة. وعلى الجانب البيئي، سيتم إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج العربي، وإنشاء عدد من الفنادق والنزل البيئية في المناطق الطبيعية، بالإضافة إلى الارتقاء بجودة الحياة في الجزيرة عن طريق إنشاء الطرق والبنى التحتية والحدائق العامة، والتي تتضمن عدة ملاعب ومنشآت رياضية حديثة.
الأثر المتوقع
من المتوقع أن يسهم هذا التوجه التنموي في إحداث أثر اقتصادي واجتماعي كبير في المنطقة من خلال المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط يصل إلى 297 مليون ريال سنويًا، وزيادة عدد السياح وصولًا إلى 1.36 مليون سائح بحلول عام 2030، وتوفير آلاف الفرص الوظيفية، بالإضافة إلى تخصيص ما يصل إلى 48% من مساحة الجزيرة للساحات والحدائق العامة والواجهات البحرية والطرق والمرافق.







