جبل أم سنمان: تحفة أثرية في قلب صحراء النفود
جبل أم سنمان، معلم بارز في المملكة العربية السعودية، يقع في مدينة جبة الأثرية، على بعد 100 كيلومتر شمال غرب حائل، داخل صحراء النفود. تحيط به كثبان رمال النفود الكبير وأراضٍ سبخة كانت بحيرة قديمة. تطل عليه من الجهتين الغربية والجنوبية سلسلة جبال رسوبية رملية تعرف بجبال أم سنمان وغوطة وقطار وشويحط والغرا وعنيزة ومويعز. يرتفع الجبل 1,264 مترًا فوق سطح البحر.
أصل تسمية جبل أم سنمان
يعود تاريخ جبل أم سنمان إلى الألف السابع قبل الميلاد، وقد سُمي بهذا الاسم لشبهه الكبير بالناقة ذات السنامين المستقرة على الأرض. كان الجبل في فترة ما قبل الإسلام ملاذًا آمنًا تلجأ إليه العرب طلبًا للحماية، كما كان علامة بارزة للمسافرين القادمين من صحراء النفود.
النقوش والرسوم الصخرية في جبل أم سنمان
تعد مدينة جبة موقعًا هامًا للنقوش والرسوم الصخرية في السعودية، فهي تضم أقدم المواقع الإنسانية التي تعود للعصور الحجرية. تمثل الرسوم والنقوش الصخرية في جبل أم سنمان النمط المبكر للحفر والنقش، ويعود بعضها إلى العصر الحجري. وإلى جانب جبل أم سنمان، يشتهر جبل غوطة في منطقة حائل بنقوشه الأثرية الغنية التي تصور الحياة اليومية للإنسان والحيوان في تلك الحقبة.
يزخر جبل أم سنمان بالآثار التي تكشف عن الحياة عبر مختلف العصور، حيث سُجل فيه حوالي 5,431 نقشًا ثموديًا، و1944 رسمًا لحيوانات مختلفة، منها 1378 رسمًا لجمال بأحجام وأشكال متنوعة، بالإضافة إلى 262 رسمًا آدميًا. يشير هذا الكم الهائل من الأعمال الفنية إلى أن المنطقة كانت مأهولة بحضارة متطورة.
الفترات التاريخية لآثار جبل أم سنمان
كانت المنطقة المحيطة بجبل أم سنمان في الماضي بحيرة، وقد ترك سكانها نقوشًا ورسومًا تحكي عن حياتهم. يمكن تقسيم هذه النقوش والرسومات إلى ثلاث فترات رئيسية:
- الفترة الأولى: تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد، وتتميز برسومات آدمية بنمط العصي وأشكال آدمية مكتملة بأذرع رفيعة وجسد ممتلئ عند الفخذ، بالإضافة إلى رسوم لنساء بشعر مجدول وتنانير مزخرفة. كما تظهر رسومات لحيوانات مثل الإبل والخيول غير المستأنسة، ورسوم لأبقار بقرون طويلة وقصيرة، ووعول، ومجموعات من الأغنام والقطط والكلاب التي استخدمت في الصيد.
- الفترة الثانية: تعود إلى العصر الثمودي (1500-2500 قبل الميلاد)، وتبرز فيها رسوم ونقوش صخرية تؤكد استئناس الإنسان للإبل، حيث تظهر مشاهد لمحاربين على ظهورها وبأيديهم الحراب، بالإضافة إلى رسوم للخيول والوعول والفهود والنعام، ونقوش كتابية ثمودية وأشكال رمزية وأشجار النخيل.
- الفترة الثالثة: تمثل الفترة العربية، وتتميز برسوم لآدميين يركبون الإبل.
تشير الدراسات إلى وجود فترة زمنية رابعة تعود إلى العصور الإسلامية، وتتمثل في الكتابات الكوفية المدونة على بعض الأحجار المتساقطة من جبل أم سنمان، والتي تتضمن آيات قرآنية وأدعية، يعود تاريخ إحداها إلى شهر رجب سنة 147 هـ.
ونتيجة لهذا الثراء التاريخي والأثري، تم تسجيل موقع جبل أم سنمان ضمن مواقع التراث العالمي في (اليونسكو) عام 1436 هـ/2015م.
المستشرقون في جبة وجبل أم سنمان
تُعد جبة ذات قيمة تراثية عالمية لما تحتويه من آثار متنوعة، وهي بذلك من الركائز المهمة للسياحة في منطقة حائل، لما تتميز به من تراث وبيئة وجغرافيا فريدة. وبفضل هذا الحضور الأثري للمدينة ومعالمها، بما في ذلك جبل أم سنمان، أصبحت جبة وجهة للمستشرقين الغربيين الذين زاروا الجزيرة العربية، نظرًا لموقعها الجغرافي على طريق قوافل الرحالة. بدأت هذه الرحلات في القرن التاسع عشر الميلادي، عندما زارها المستكشف الإيطالي كالرو جوارماني عام 1280هـ/1864م.











