جامع الإمام تركي بن عبدالله: صرح تاريخي في قلب الرياض
جامع الإمام تركي بن عبدالله، المعروف أيضًا بـ الجامع الكبير، يمثل معلماً تاريخياً بارزاً في منطقة قصر الحكم، قلب مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية. تأسس هذا المسجد في عهد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الثانية، ليجسد إرثاً دينياً وثقافياً عريقاً.
تأسيس الجامع في عهد الإمام تركي بن عبدالله
شُيّد جامع الإمام تركي بن عبدالله على أرض تُعرف بـ “النقعة” في وسط الرياض، وذلك خلال فترة حكم الإمام تركي بن عبدالله التي امتدت من عام 1240هـ إلى 1249هـ (الموافق 1824م – 1834م). أمر الإمام ببناء هذا الجامع ليكون قريباً من قصر الحكم والعديد من الأحياء السكنية، وجعله مركزاً للعلم والمعرفة، وعيّن الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ مشرفاً ورئيساً للعلماء فيه. كان الإمام تركي يخرج عادةً من بابٍ يقع جنوب المحراب، خصص لدخوله وخروجه، بالإضافة إلى إمام الجامع، وذلك عند أداء صلاة الجمعة.
توسعة الجامع في عهد الإمام فيصل بن تركي
في عهد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله، وتحديداً في عام 1259هـ (الموافق 1844م)، أُعيد بناء الجامع وزيد في مساحته من الجهتين الشرقية والغربية. أُدخلت زخارف إسلامية لم تكن شائعة في نجد آنذاك، وأُنشئ ممر علوي يربط بين المسجد وقصر الحكم، إضافة إلى مساقٍ للمياه وممر طويل مغطى ومحمول على الأعمدة لتسهيل التنقل بين المسجد والقصر.
العناية بالجامع في العهد السعودي الحديث
حظي جامع الإمام تركي بن عبدالله باهتمام خاص في العهد السعودي الحديث، حيث قام الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بتوسيع مساحته وربطه بقصر الحكم عبر جسر لتسهيل الوصول إليه خلال أوقات الصلوات والجمع، بالإضافة إلى توفير الإضاءة اللازمة.
تطوير الجامع في عهد الملك سعود والملوك اللاحقين
استمر الاهتمام بالجامع في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز، الذي أمر بتجديد عمارته وفرشه وإضاءته، وزيادة مساحته. خلال هذه الفترات، استُخدمت مواد البناء التقليدية مثل الطين واللبن المجفف، وأسقف من جذوع النخل والحجارة. وتوالت العناية بالجامع في عهدي الملك فيصل بن عبدالعزيز والملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، حيث تم تحديثه وتوسعته للمرة الثانية، مع ترميمه وزيادة مساحته وتجديد فرشه.
إعادة تشييد وتطوير الجامع
أعادت الهيئة الملكية لمدينة الرياض تشييد الجامع في موقعه السابق، كجزء من برنامج تطوير منطقة قصر الحكم في وسط الرياض، وافتتح في عام 1413هـ (الموافق 1993م). بلغت مساحته حوالي 16.8 ألف م2، بطاقة استيعابية تصل إلى 17 ألف مصلٍ. يتكون الجامع من مصلى رئيسي للرجال وآخر للنساء، تبلغ مساحته 6.32 آلاف م2 وارتفاعه 14.8م، وساحة خارجية مساحتها 4.8 آلاف م2، ومنارتين بارتفاع 50م لكل منهما. يضم أيضاً سكناً للإمام والمؤذن، ومكاتب خاصة بالأجهزة الحكومية، ومكتبتين للرجال والنساء.
تصميم معماري فريد
بُني الجامع من وحدات خرسانية سابقة الصب، وغُطيت جدرانه الخارجية والجزء العلوي من الجدران الداخلية بحجر الرياض، والجزء الأسفل من الجدران والأعمدة غُطي بالرخام الأبيض. السقف غُطي ببلاطات خرسانية تشبه المرابيع الخشبية التي كانت تغطي سقف المسجد القديم. الجامع مجهز بوسائل البث التلفزيوني والإذاعي المباشر وكاميرات تلفزيونية يتم التحكم فيها عن بعد. وقد فاز الجامع بجائزة “أغا خان” العالمية للعمارة عام 1415هـ (الموافق 1995م) خلال انعقاد دورة الجائزة في مدينة سولو الإندونيسية.
أئمة ومؤذنو الجامع عبر التاريخ
تتابع على إمامة الجامع عدد من الشيوخ والأئمة البارزين، منهم:
- عبدالرحمن بن حسن بن محمد (1241هـ/1826م)
- عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن (1285هـ/1869م)
- محمد بن إبراهيم بن محمود (1293هـ/1876م)
- عبدالعزيز بن صالح بن موسى بن مرشد
- عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ
- عبدالرحمن بن محمد بن عساكر (بالإنابة)
- عبدالرحمن بن عبداللطيف (بالإنابة)
- محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ
- عمر بن عبداللطيف (1365هـ/1945م)
- سعد بن عتيق
- عبدالرحمن بن عبداللطيف (للمرة الثانية حتى عام 1366هـ/1947م)
- عبدالله بن عبدالرحمن بن عبداللطيف
- إبراهيم بن سليمان آل مبارك
- عبدالرحمن بن عودان (1370هـ/1951م)
- محمد بن إبراهيم آل الشيخ (مفتي الديار من 1373هـ/1954م إلى وفاته عام 1389هـ/1969م)
- عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (من عام 1389هـ/1969م)
- عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين (بالإنابة) (من تاريخ 1420هـ/1999م)
- مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
- محمد بن عبدالله بن عمر آل الشيخ (بالإنابة في غياب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ)
شخصيات بارزة في تاريخ الجامع
من بين الأئمة القدامى للجامع، يبرز اسم عبدالله بن محمد بن نصبان، الذي كان كفيفاً وعُرف المسجد باسمه، “مسجد النصيبي”، حيث تولى الإمامة لمدة تقارب 62 عاماً وتوفي في 1412هـ (الموافق 1992م).
وفي النهايه :
جامع الإمام تركي بن عبدالله ليس مجرد مسجد، بل هو صرح تاريخي وثقافي يعكس تطور العمارة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ويجسد اهتمام قادة البلاد بالحفاظ على الدين والعلم. فهل سيستمر هذا الجامع في أداء دوره كمنارة للعلم والإيمان للأجيال القادمة؟










