توطين البدو: رؤية الملك المؤسس نحو التنمية والازدهار
في مطلع القرن العشرين، أطلق الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مشروعًا اجتماعيًا تنمويًا طموحًا تحت مسمى توطين البدو في السعودية. هدف هذا المشروع إلى إحداث تحول جذري في حياة البدو الرحل، سعيًا لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وترسيخ نمط حياة مستقر يواكب التطورات الحديثة.
تأسيس مشروع توطين البدو في السعودية
انطلق المشروع بمبادرة رائدة تمثلت في إيفاد دعاة ومرشدين إلى تجمعات البدو، المعروفة بـ “الهِجر”، لتشجيعهم على الاستقرار والتخلي عن الترحال المستمر. كان الهدف من ذلك تعزيز فهمهم للتعاليم الدينية الصحيحة. في عهد الملك عبدالعزيز، تجاوز عدد المستوطنات التي أُنشئت 200 مستوطنة، وامتد المشروع ليشمل كافة مناطق المملكة، لتتحول هذه المستوطنات فيما بعد إلى مدن صغيرة تنعم بالخدمات الحضارية المتكاملة.
في البداية، ركز المشروع على اختيار المواقع الملائمة للاستقرار، والتي تتميز بتوفر مصادر المياه، ثم خُصصت هذه المواقع للقبائل، وقُدمت لهم المساعدات اللازمة لبناء المساجد والمنازل. وعقب إرسال الملك عبدالعزيز طلبة العلم والمعلمين إلى هذه الهجر لتعليم أبناء البادية العلوم الشرعية وتحفيظهم القرآن الكريم، تحولت تلك الهجر إلى مراكز حضارية نابضة بالحياة والنشاط، خاصة في المجال الزراعي، الذي كان يمثل نقطة الانطلاق نحو الاستقرار. تبع ذلك انتشار التجمعات السكانية الحديثة في مناطق كانت سابقًا خالية من أي شكل من أشكال الاستقرار السكاني.
أهداف مشروع توطين البدو في السعودية
استهدف مشروع توطين البدو في السعودية تغيير نمط حياة البدو القائم على الترحال، وتبني سياسة استيطانية شاملة تهدف إلى تحسين مستوى معيشتهم. تم تزويد مناطق الاستيطان بقواعد أمنية لتنظيم برامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي. ساهمت هذه المستوطنات في تغيير أنماط حياة الأسر البدوية، والانتقال من السكن في الخيام المؤقتة إلى البيوت الدائمة.
التحول نحو التجارة والزراعة
شهد النظام المعيشي في الهِجر الجديدة تحولًا ملحوظًا نحو التجارة والإنتاج الزراعي، وعززت مشاريع التوطين قيمًا مثل العمل والمنافسة بين أفراد المجتمع من أجل تحقيق المصلحة العامة. استمر مشروع توطين البدو في الازدهار حتى عام 1970م، وساهم تطويره في إنشاء صندوق التنمية العقارية عام 1975م، الذي قدم الدعم اللازم لبناء الوحدات السكنية. أكملت الدولة بناء البنية التحتية والخدمات العامة والدوائر الحكومية والتعليمية، مما جذب المزيد من أبناء البادية نحو الاندماج في مجتمع حضاري موحد.
وفي النهايه :
يمثل توطين البدو في السعودية رؤية استشرافية للملك المؤسس، تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ودمج كافة فئات المجتمع في مسيرة البناء والازدهار. هل يمكن اعتبار هذا المشروع نموذجًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات المشابهة؟