تلفزيون أرامكو: رائد البث العربي في المملكة
تلفزيون أرامكو يمثل علامة فارقة في تاريخ الإعلام السعودي، كونه أول محطة تلفزيونية ناطقة باللغة العربية في المملكة العربية السعودية، وثاني محطة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط. انطلقت هذه المحطة في 22 صفر 1377هـ، الموافق 17 سبتمبر 1957م، بمبادرة من شركة أرامكو. تجدر الإشارة إلى أنه قبل ذلك، كانت هناك قناة تلفزيونية صغيرة تبث باللغة الإنجليزية من قاعدة الظهران الجوية منذ عام 1955م، بالإضافة إلى محطة أخرى باللغة العربية بدأت البث من بغداد في أوائل عام 1957م.
تأسيس تلفزيون أرامكو
من الفكرة إلى الواقع
تعود جذور فكرة إنشاء تلفزيون أرامكو إلى عام 1955م، عندما أوصى الأمريكي هارولد تالبوت، خلال زيارته لمنشآت أرامكو، بإنشاء محطة تلفزيونية. إلا أن أرامكو قامت بتطوير هذه الفكرة، محولة المحطة لتكون موجهة بشكل أساسي إلى المواطنين السعوديين، مع التركيز على البث باللغة العربية.
نطاق البث والتأثير
في تلك الفترة، كان بث تلفزيون أرامكو يصل بوضوح إلى البحرين وقطر، في حين كان استقباله في الكويت وإمارة دبي أقل وضوحًا. قدمت المحطة مجموعة متنوعة من البرامج التي استهدفت بناء شخصية الطفل وتعزيز ثقافته، مثل برنامج “بابا حطاب” الذي استمر لمدة 11 عامًا بدءًا من عام 1958م، والذي كان يستضيف الأطفال وذويهم لمناقشة قصة يرويها بطريقة شيقة ومسلية.
أنشطة تلفزيون أرامكو
حضور ثقافي واجتماعي متميز
تميز تلفزيون أرامكو بحضوره الفاعل في الأنشطة الثقافية والترفيهية والاجتماعية. قدمت المحطة باقة متنوعة من البرامج، شملت “السلامة تبدأ بك”، وبرامج الأسرة والطفل، بالإضافة إلى “زاوية الكتب”، والأفلام العربية، وبرنامج “من كل قطر أغنية”، و”المحامي بيري ميسون”، وبرامج رياضية متنوعة كسباق الخيل والبولينج والجولف. كما تضمنت برامج المحطة دروسًا في العلوم والرياضيات، وقد بلغ عدد مشاهديها حوالي 350 ألف مشاهد بحلول عام 1965م.
تطوير وتحديث مستمر
شهد تلفزيون أرامكو السعودية مراحل تطوير متعددة. ففي جمادى الأولى 1382هـ الموافق سبتمبر 1962م، تم تركيب محطة تقوية لزيادة نطاق الإرسال ليصل إلى الهفوف والمناطق المحيطة بها. كان جهاز البث بقوة 500 وات يستقبل برامج القناة الثانية ثم يعيد بثها على الموجة رقم 13، والتي كان سكان الهفوف يستقبلون عليها إرسال الموجة 2.
تحولات في الهوية واللغة
مع مرور الوقت، تطور أداء التلفزيون. وفي عام 1969م، بدأت محطة تلفزيونية حكومية البث من الدمام، مما دفع أرامكو لتغيير اسم المحطة من القناة الثانية والثالثة عشرة إلى تلفزيون أرامكو، مع التركيز على البث باللغة الإنجليزية فقط. وفي عام 1981م، تم تغيير اسم المحطة مرة أخرى ليصبح القناة الثالثة.
نهاية حقبة تلفزيون أرامكو
تحول البث وتوقف اللغة العربية
في مطلع عام 1970م، اتخذت أرامكو قرارًا بوقف البث باللغة العربية، وذلك بعد بدء الإرسال التلفزيوني السعودي الرسمي من الدمام في نوفمبر 1966م. وتحولت المحطة إلى قناة متخصصة في بث المسلسلات والأفلام الأجنبية فقط، تحت اسم القناة الثالثة.
الوداع بعد مسيرة حافلة
في عام 1998م، قررت شركة أرامكو إنهاء البث بعد مسيرة استمرت لأكثر من أربعين عامًا. جاء هذا القرار نتيجة لتزايد المنافسة من القنوات الأخرى وانتشار البث الفضائي المتنوع عبر القارات. كان النشيد الوطني للمملكة هو آخر ما بثه تلفزيون أرامكو، مودعًا بذلك حقبة ذهبية في تاريخ الإعلام السعودي.
وفي النهايه :
تلفزيون أرامكو، الذي بدأ كحلم متواضع، تحول إلى منارة إعلامية أضاءت سماء المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط. وعلى الرغم من توقفه عن البث، إلا أن إرثه سيظل محفورًا في ذاكرة الإعلام العربي، كشاهد على بدايات التلفزيون السعودي ودوره الرائد في التنمية الثقافية والاجتماعية. هل يمكن أن تعود مثل هذه المبادرات الإعلامية لتلعب دورًا مماثلًا في عصرنا الحالي، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والفرص التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة؟