الإمام تركي بن عبد الله: مؤسس الدولة السعودية الثانية
الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود (1183هـ-1249هـ/1769م-1834م)، يُعد المؤسس الفعلي للدولة السعودية الثانية، وهو حفيد الإمام محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى. تولى الإمام تركي مقاليد الحكم في الدولة السعودية الثانية في الفترة من 1240هـ إلى 1249هـ، الموافق 1824م إلى 1834م، ليضع بذلك حجر الأساس لمرحلة جديدة من تاريخ الدولة.
حكم الإمام تركي بن عبد الله بن محمد
في عام 1240هـ/1824م، قام الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بتأسيس الدولة السعودية الثانية، وذلك عندما استعاد الرياض، لتصبح بذلك القاعدة الرئيسية للحكم السعودي. يُعتبر الإمام تركي أول من اتخذ الرياض عاصمةً للدولة السعودية، بعد نجاحه في استعادة حكم أسرته وتأسيس الدولة السعودية الثانية، التي استمرت لمدة 69 عامًا، من 1240هـ إلى 1309هـ، الموافق 1824م إلى 1891م. حلت الرياض محل الدرعية، التي كانت عاصمة الدولة السعودية الأولى قبل أن يتم تدميرها على يد إبراهيم باشا، قائد جيش العثمانيين.
نشأة الإمام تركي بن عبد الله بن محمد
كان الإمام تركي بن عبد الله بن محمد معروفًا بشجاعته وإقدامه، حيث كان في مقدمة الصفوف للدفاع عن الدرعية، وقاتل ببسالة ضد جيش العثمانيين مع إخوته وأبنائه. خلال هذه المعارك، استشهد ابنه فهد وأخواه محمد وسعود. وقد وصفه فيلبي بأنه كان “روح الدفاع عن الدرعية”، مما يعكس الدور المحوري الذي لعبه في المقاومة.
الصمود والتحدي
رفض الإمام تركي الاستسلام، وغادر الدرعية قاصدًا آل شامر من بادية العجمان، حيث أقام عندهم وتزوج ابنة رئيسهم، غيدان بن جازع بن علي، ورزق منها بولد سماه “جلوي” لأنه ولد في فترة جلائه عن بلده.
“الأجرب” رمز الصمود
يصف إبراهيم آل خميس في كتابه “أسود آل سعود” تركي بن عبد الله، بأنه عاهد نفسه على الصمود في وجه الأعداء والقتال حتى لو كان وحده، حاملًا سيفه الشهير “الأجرب”، الذي ذكره في قصيدته المشهورة: “إذا كل خويٍّ من خويه تبرا حملت أنا الأجرب خويًا مباري”.
استعادة الحكم وتأسيس الدولة
في رمضان 1238هـ/مايو 1823م، قَدِمَ الإمام تركي بن عبد الله بن محمد من بلدة الحلوة (إحدى بلدان الحوطة) ومعه 30 رجلًا غير مسلحين، واتجه إلى بلدة عرقة واستقر بها. التف حوله أمير ناحية الوشم، حمد بن يحيى، وراسل الإمام تركي سويدًا، صاحب جلاجل، ليقدم عليه بما يستطيع من الرجال. استجاب سويد ومعه رجال من جلاجل وسدير والمحمل ومنيخ. رفع الإمام تركي راية الحرب وعزم على التوجه إلى الرياض لطرد جيش العثمانيين منها، لكنه لم يتمكن من ذلك بعد محاصرته في عرقة.
الصبر والمقاومة
صبر الإمام تركي وقاوم ببسالة، مما اضطر العثمانيين إلى الانسحاب. بقي في عرقة متأهبًا للقتال، ثم استولى على ضرما بالقوة، وبايعه أهل جلاجل والزلفي ومنيخ والغاط ثم حريملاء. بعد ذلك، سار إلى منفوحة وحاصرها واستولى عليها، وبايعه أميرها وأخرج منها جيش العثمانيين.
تحرير الرياض
توجه الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بجنوده إلى الرياض وحاصرها لفترة، إلى أن وصله مدد ساعده في الصمود. راسله رئيس العسكر في الرياض، أبا علي المغربي، طالبًا الصلح، فوافقه الإمام تركي على أن يخرج بجميع عساكره وآلاته، وأعطى الأمان لأمير الرياض وأهلها.
توحيد الدولة السعودية الثانية
بعد تحرير الرياض، استولى الإمام تركي بن عبد الله بن محمد على نعجان والدلم، وسلمت له السليمة وبايعته اليمامة. بحلول عام 1241هـ/1825م، كانت جميع بلدان نجد قد بايعت الإمام تركي، باستثناء الأحساء. بعد تحرير نجد وتوحيدها، انتظر الإمام تركي الظروف المناسبة للاستيلاء على الأحساء، وهو ما تحقق لاحقًا.
اغتيال الإمام تركي بن عبد الله
في نهاية عام 1249هـ/1834م، وفي آخر يوم من شهر ذي الحجة، أدى الإمام تركي بن عبد الله بن محمد صلاة الجمعة وخرج من المسجد إلى قصره ماشيًا وحده دون حراسة. كان يقرأ كتابًا قدمه إليه أحد المراجعين، ويتبعه خادمه (زويد) على بعد غير بعيد. اعترضه إبراهيم بن حمزة بن منصور وأطلق عليه الرصاص، فسقط الإمام قتيلًا.
ردود الأفعال واستعادة الحكم
سُجن خادمه، إلا أنه تمكن من الهرب والذهاب إلى الإمام فيصل بن تركي، الذي كان يحاصر بلدة سيهات في المنطقة الشرقية لتثبيت نفوذ الدولة، وأخبره بمقتل أبيه. عاد الإمام فيصل واستعاد حكم أبيه واسترد الرياض في 10 صفر 1250هـ/17 يونيو 1834م.
وفي النهايه :
الإمام تركي بن عبد الله، بشجاعته وحنكته، لم يكتفِ بترسيخ أركان الدولة السعودية الثانية، بل أعاد إحياء الأمل والطموح في نفوس شعبه. كيف يمكننا اليوم استلهام هذه الروح في مواجهة التحديات المعاصرة؟
