بينالي الفنون الإسلامية: احتفاء بالإرث الثقافي في قلب السعودية
بينالي الفنون الإسلامية، مبادرة رائدة من مؤسسة بينالي الدرعية تحت إشراف وزارة الثقافة، وبالتعاون مع وزارة النقل والخدمات اللوجستية والهيئة العامة للطيران المدني. يهدف هذا الحدث إلى إبراز الثقافة والفنون الإسلامية الغنية، وتعزيز التبادل الثقافي والفني بين المملكة العربية السعودية ومختلف دول العالم. استضافت مدينة جدة فعاليات هذا البينالي، التي انطلقت في 1 رجب 1444هـ الموافق 23 يناير 2023م، واستمرت لمدة ثلاثة أشهر تحت شعار “أول بيت”.
أقسام بينالي الفنون الإسلامية
أقيمت فعاليات بينالي الفنون الإسلامية على مساحة شاسعة بلغت 118 ألف متر مربع داخل صالة الحجاج الغربية في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة. وقد احتضن البينالي مساحتين رئيسيتين لعرض الأعمال الفنية والتحف القيّمة. تتألف المساحة الأولى من معارض متصلة على خط واحد، بينما تتكون المساحة الثانية من جناحين مخصصين لعرض مقتنيات مرتبطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة. إضافة إلى ذلك، خُصصت منطقة خارجية تحت مظلات صالة الحجاج لعرض اللوحات والأعمال الفنية التركيبية.
تصميم فريد ومساحات ملهمة
تتميز مباني بينالي الفنون الإسلامية بتصميمها المعماري الفريد، حيث تتكون من مجموعة مجسمات بأحجام ونسب متباينة، منتظمة حول ساحة مركزية. توفر هذه المساحات المتنوعة للفنانين بيئة ملهمة تمكنهم من إعادة تخيل أعمالهم وصياغتها بأساليب مبتكرة. يضم البينالي أربع صالات عرض فنية، ومسرحًا متكاملًا، ومسجدًا، وورش عمل فنية، وقاعات مخصصة للندوات، ومعرض المدار، بالإضافة إلى عدد من المتاجر والمقاهي والمطاعم التي تخدم الزوار.
أهمية بينالي الفنون الإسلامية
يكشف بينالي الفنون الإسلامية عن المعاني العميقة التي شكلت الهوية الإسلامية وصقلتها عبر العصور. يستعرض البينالي رمزيات الحركة والصوت والوجهات، التي تجسدت عبر القرون من خلال مرور الحجاج بمنطقة الحجاز لأداء المناسك. وقد رافق ذلك ممارسة الحرف والفنون، وتبادل العادات والتقاليد، ومشاركة العلوم والمعارف، مما جعل المنطقة ملتقى عالميًا للثقافة والمعرفة.
يساهم البينالي في إثراء صالة الحجاج من خلال الاحتفاء بالثقافة والفنون الإسلامية، ليكون رافدًا قويًا للمشهد الفني المحلي في جدة والمملكة العربية السعودية على مدار العام. كما يهدف إلى مد الجسور بين الحرفيين والصناعيين والأوساط الأكاديمية، لفتح آفاق جديدة للإبداع والابتكار.
محاور بينالي الفنون الإسلامية
القبلة: بداية الرحلة الروحانية
في نسخته الأولى، تناول البينالي موضوعين رئيسيين هما: القبلة والهجرة. بدأت رحلة بينالي الفنون الإسلامية من القبلة، عبر مجموعة من صالات العرض المتتالية. استهلت هذه الرحلة بارتفاع صوت الأذان، وتوالي إقامته حول العالم مع حركة الشمس، وذلك للتأمل في معاني العبادة. تضمنت المعروضات مقتنيات أثرية وأعمال فنية معاصرة، وصولًا إلى اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان، واختتمت بعرض قطعتين أثريتين تم نقلهما من جوف الكعبة المشرفة.
الهجرة: من مكة إلى المدينة
بعد ذلك، توجه زوار البينالي إلى جناحين يضمان قطعًا أثرية نادرة، تسلط الضوء على هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. عُرضت في هذين الجناحين أعمال فنية أبرزت جوهر الهجرة، وقدمت للتبادل المعرفي والتمازج الثقافي المتكون في مواسم الحج.
محتويات بينالي الفنون الإسلامية
قدم البينالي 15 عملًا فنيًا عُرضت للمرة الأولى، بالإضافة إلى 280 قطعة فنية وتاريخية مختارة بعناية من المؤسسات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. كما ضم البينالي إنتاجات 40 فنانًا من مختلف دول العالم، جمعت بين الفنون المعاصرة والآثار ومقتنيات العصور الإسلامية السابقة.
كنوز من التاريخ الإسلامي
عرض البينالي مجموعات من المقتنيات الأثرية القيمة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، بما في ذلك باب ومفتاح الكعبة المشرفة، ومخطوطات قديمة للقرآن الكريم تعود إلى تاريخ قريب جدًا من عصر النبوة، ونموذج مخطوط للمصحف الشريف مصنوع من الذهب الخالص، والعمود الداخلي للكعبة المشرفة من زمن الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه. بالإضافة إلى ذلك، تضمن المعرض أعمالًا فنية مصنوعة من الخشب والمعدن، وقطعًا أثرية وتحفًا ومجسمات تاريخية جُلبت من متاحف عالمية مرموقة، مثل متحف بيناكي في أثينا، ومتحف تاريخ العلوم في أكسفورد، ومتحف اللوفر في باريس، ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن.
المشاركون في بينالي الفنون الإسلامية
شارك في البينالي جهات عديدة، بما في ذلك الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي (الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي حاليًا)، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومؤسسات وهيئات ثقافية حكومية وخاصة، ودولية من أوزبكستان وتونس واليونان وأذربيجان. كما شاركت مجموعة من المراكز والمعاهد المتخصصة في البحث والدراسة والحفاظ على الفنون الإسلامية، بالإضافة إلى فنانين حرفيين متخصصين في هذا المجال، و60 لجنة تحكيم.
وفي النهايه:
بينالي الفنون الإسلامية في جدة، لم يكن مجرد معرض فني، بل تجسيدًا حيًا لتاريخ عريق وثقافة غنية. من خلال محاوره المتنوعة ومقتنياته الثمينة، نجح البينالي في إبراز الهوية الإسلامية وربطها بالحاضر والمستقبل. فهل سيستمر هذا الحدث في إلهام الأجيال القادمة وتعزيز التبادل الثقافي العالمي؟
