انقراض النعام العربي: قصة طائر من صحراء الجزيرة
في قلب الصحاري العربية، وتحديدًا من صحراء الربع الخالي وحتى شمال المملكة العربية السعودية، كان يعيش طائر فريد يُعرف باسم النعام العربي (Struthio camelus syriacus). هذا النعام، الذي انقرض في ستينات القرن العشرين، كان جزءًا لا يتجزأ من البيئة الصحراوية وتاريخ المنطقة، وشوهد آخر مرة بالقرب من محافظة القريات في منطقة الجوف.
تاريخ النعام العربي في السعودية
تقلص النطاق الجغرافي
في الماضي، كانت سلالات النعام العربي منتشرة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية والشرق الأدنى. ومع مرور الوقت، أدى التصحر الذي شهدته المنطقة في العصر الجيولوجي الهولوسيني وجفاف بحيرات الربع الخالي إلى تقلص أعداده بشكل كبير، ليقتصر وجوده على مجموعتين رئيستين: مجموعة صغيرة في جنوب شرق الجزيرة العربية، وأخرى أكبر في المنطقة الحدودية بين السعودية والأردن والعراق وسوريا، بالإضافة إلى فلسطين وشبه جزيرة سيناء.
النعام والغزال والمها
كانت منطقة الجوف، شمال السعودية، تشتهر بأكبر تجمع للنعام العربي، الذي كان يعيش جنبًا إلى جنب مع قطعان الغزال السعودي (المنقرض الآن) والمها العربي. وقد تركت هذه الطيور بصماتها في النقوش والرسوم الصخرية القديمة المكتشفة في السعودية، والتي تصوّر عمليات صيد النعام بالسهام والمقلاع، بالإضافة إلى صور للإناث مع صغارها.
شهادات الرحالة
ويليام جيفورد بلجريف
وصف الرحالة البريطاني ويليام جيفورد بلجريف، خلال رحلته في وادي السرحان عام 1862، بيئة النعام العربي، قائلاً: “شاهدنا في هذه المنطقة قطيعًا كبيرًا من النعام، والنعامة هي أحسن الطيور التي تعيش على سطح هذه الأرض، كما أنها أصعب الطيور فيما يتعلق بالاقتراب منها…”.
روبرت إرنست تشيزمان
كما ذكر المستكشف روبرت إرنست تشيزمان في كتابه “In Unknown Arabia” عام 1926، أنه التقى بالملك عبدالعزيز في عام 1924 وأخبره عن وصول النعامة العربية التي أرسلها إلى السير برسي كوكس في لندن، مشيرًا إلى الاهتمام الكبير الذي أثاره هذا الحدث.
النطاق الجغرافي للنعام العربي
وفقًا لقاعدة بيانات الطيور العالمية، امتد نطاق وجود النعام العربي ليشمل شرق أفريقيا، وشمال وجنوب الصحراء الكبرى، وجنوب حزام الغابات المطيرة، بالإضافة إلى جزء كبير من آسيا الصغرى وشبه الجزيرة العربية. ومع ذلك، أدت عمليات الصيد المكثفة إلى انقراضه بحلول منتصف القرن العشرين، حيث نفقت آخر نعامة عربية موثقة في وادي الحسا بالأردن عام 1966.
تصنيف النعام العربي
علميًا، يُصنف النعام العربي ضمن مملكة الحيوانات، شعبة الحبليات، طائفة الطيور التي لا تطير، رتبة النعاميات، فصيلة النعامة، والجنس النعامة الصحراوية، والسلالة النعامة العربية، ويحمل الاسم العلمي Struthio camelus syriacus.
وصف النعام العربي
الخصائص الفيزيولوجية
تميز النعام العربي بقدرته على تحمل الظروف المناخية القاسية. كان ذكور النعام العربي يتميزون بريش أسود يُسمى “خمل”، مع أطراف بيضاء، بينما كانت الإناث يتميزن بريش أكثر كثافة وبدرجات أفتح من اللون البني. كان يُطلق على ذكر النعام اسم “الظَّلِيم”، وكان يُعرف بسلوكه العدواني، خاصة خلال فترات التزاوج.
السلوك الاجتماعي والتكاثر
عاش النعام العربي في مجموعات صغيرة تتكون من ذكر واحد وعدة إناث. تضع أنثى النعام ما بين 30 و 50 بيضة على مدار السنة، ويصل وزن البيضة الواحدة إلى 1.5 كجم، مما يجعلها قادرة على تحمل الظروف الطبيعية.
استخدامات النعام
كان النعام العربي يُصطاد للحصول على لحمه وجلده وريشه، التي كانت تستخدم في بعض الصناعات اليدوية. وقد تجاوزت شهرة النعام حدود موطنه الأصلي، حيث كان يُعتبر وليمة فاخرة في حضارة بلاد الرافدين، واستُخدمت رسوماته لتزيين الأواني. كما ذكرت النصوص اليونانية تصدير النعام الحي إلى الصين كهدية قيمة للإمبراطور.
قشور بيض النعام العربي
أدلة على الوجود
تُعد قشور بيض النعام العربي التي عُثر عليها في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية، وخاصة في الربع الخالي، دليلًا على وجوده السابق في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تحمل بعض المواقع أسماء مرتبطة بالنعام، وتظهر رسوماته في مؤلفات الأدب العربي القديم.
جهود البحث
جمع المصور والرحالة عبدالله فيلبي بعض قشور بيض النعام خلال رحلته إلى الربع الخالي عام 1931، كما جمع أعضاء رحلة إعادة إحياء قلب الجزيرة العربية بقيادة المستكشف مارك إيفانز بعض القشور في نفود قلقان عام 2023. وتنتشر بقايا القشور أيضًا في محمية عروق بني معارض.
توطين النعام أحمر الرقبة الأفريقي
في إطار جهود السعودية للحفاظ على البيئة، يعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على إكثار النعام أحمر الرقبة الأفريقي، الأقرب وراثيًا للنعام العربي، بهدف إعادة توطينه في المحميات الطبيعية. وقد نجح المركز في إطلاق أعداد من هذا النعام في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية، حيث استقبلت أول الفراخ المنتجة طبيعيًا في عام 1997.
النعام في الشعر العربي
صور شعرية
ألهم النعام الشعراء العرب، الذين وصفوه في أشعارهم بأوصاف متنوعة. فقد شبه طرفة بن العبد النعام بالإماء في أحد أشعاره، بينما استخدم امرؤ القيس النعام لتشبيه سرعة حصانه.
رمزية النعام
كما استخدم الشعراء النعام كرمز للثبات والشجاعة، حيث قال سلامة بن جندل:
كأنَّ النعام باض فوق رؤوسهم … بنهيِ القِذاف أو بنهي مخفِّق
وفي النهايه:
رحلة النعام العربي من صحاري الجزيرة العربية إلى صفحات التاريخ تثير تساؤلات حول دور الإنسان في الحفاظ على التنوع البيولوجي. هل يمكن لجهود إعادة التوطين أن تعيد الحياة إلى الأنظمة البيئية المتضررة، وهل يكفي ذلك لضمان عدم تكرار مأساة انقراض هذا الطائر المهيب؟
