المهرجانات السعودية: نافذة على الثقافة والاقتصاد
المهرجانات في السعودية تمثل أحد أبرز القطاعات الثقافية المتطورة في المملكة العربية السعودية، حيث تتضمن فعاليات متنوعة ومتخصصة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنشطة الاقتصادية، والسياحية، والفنية، والزراعية، والتراثية. هذه المهرجانات تسهم بشكل كبير في رفع جودة الحياة في المملكة، كونها جزءًا لا يتجزأ من رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تحقيق مجتمع حيوي ينعم أفراده بحياة كريمة وسعيدة.
التنوع الثري للمهرجانات السعودية
تتميز المهرجانات والفعاليات بتنوعها الكبير في مختلف مناطق السعودية، وذلك تبعًا للجهات المنظمة، سواء كانت وزارات، أو أمانات المناطق، أو هيئات، أو شركات من القطاع الخاص، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، تتنوع الأهداف والغايات من تنظيم هذه المهرجانات، سواء كانت تجارية، أو ثقافية، أو اجتماعية، أو سياحية. يشمل التنوع أيضًا الفئات المستهدفة، حيث توجد مهرجانات مخصصة للعائلات، وأخرى للشباب، وأخرى للأطفال.
مواقع المهرجانات المتعددة
تتنوع مواقع إقامة المهرجانات، فبعضها يقام في مواقع دائمة، مثل مهرجان الجنادرية، بينما تُنفذ أخرى في مواقع مؤقتة، مثل حكايا مسك وألوان السعودية. تحتضن المملكة مواسم متعددة للمهرجانات، كمهرجان صيف الباحة ومهرجان شتاء طنطورة، والتي تشتمل على أنشطة ثقافية وتراثية وحرفية، بالإضافة إلى المهرجانات الزراعية، والمحلية، والرياضية، والصحراوية، والبيئية، والموسيقية، والفنية.
مهرجان الجنادرية: عراقة الماضي وإشراقة الحاضر
تعد المهرجانات التراثية الثقافية، وعلى رأسها المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية، من أقدم المهرجانات نشأة في السعودية. انطلق المهرجان عام 1405هـ/1985م تحت إشراف الرئاسة العامة للحرس الوطني (وزارة الحرس الوطني حاليًا)، ويشمل فعاليات تستعرض تراث المملكة. يضم موقع المهرجان مسرحًا وقاعات عرض وأجنحة ومباني نموذجية للمدن السعودية.
يُعتبر المهرجان مناسبة وطنية للتعريف بالتراث السعودي العريق، حيث يفتتح المهرجان بسباق الهجن، وتتخلله عروض فنية وفلكلورية ومعارض للمنتجات الحرفية. تتولى وزارة الثقافة حاليًا مهمة إقامته وتنظيمه بدلًا من وزارة الحرس الوطني، وأقيمت آخر نسخة من المهرجان عام 1440هـ/2019م.
مهرجان جدة التاريخية: نافذة على الإرث العالمي
أُطلق مهرجان جدة التاريخية لأول مرة في عام 1435هـ/2014م، بالتزامن مع إدراج منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي لليونسكو. يسلط المهرجان الضوء على مكانة السعودية التاريخية والثقافية، ويعرّف سكان مدينة جدة وزوارها بالإرث التاريخي الغني للمنطقة. يقام المهرجان سنويًا بالتزامن مع إجازة منتصف العام الدراسي، ويصاحبه عدد من الفعاليات الثقافية، مع تخصيص أركان للحرف اليدوية والأكلات التراثية.
المهرجانات التراثية: حماية الذاكرة الوطنية
من بين المهرجانات التراثية البارزة في السعودية، يبرز مهرجان الحارة المكية في مدينة مكة المكرمة، الذي أقيم لأول مرة عام 1438هـ/2016م، وتضمن فعاليات تراثية وترفيهية، ويشكل نموذجًا تعريفيًا بإرث مكة المكرمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من المهرجانات التراثية الأخرى، منها مهرجان نجران السياحي للتراث، ومهرجان الغضا في قرية الغضا التراثية بمحافظة عنيزة في منطقة القصيم.
مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل: أصالة الماضي وفخر الحاضر
تقيم السعودية أيضًا مهرجانات تحتفي بالثقافة العربية الأصيلة والحياة البدوية في الصحراء العربية، مع التركيز على العادات الأصيلة كالفروسية والصيد وتربية الإبل وسباقاتها. من أبرز هذه المهرجانات مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، الذي يضم فعاليات ثقافية وترفيهية ورياضية، من خلال المعروضات التي تتضمن المأكولات الشعبية والحرف التقليدية، إضافة إلى عرض المستلزمات والصناعات المتعلقة بالإبل.
كما تنظم سباقات للإبل، مثل المزاين والهجن ومنافسات الهجيج. يقام المهرجان في صحراء الدهناء أو الصياهد الجنوبية، ويستقطب المهتمين بالإبل من داخل السعودية وخارجها، ويشارك فيه سنويًا أكثر من 1800 مشارك، و38 ألف متن من الإبل.
مهرجان سوق عكاظ: ملتقى الإبداع والثقافة
نظمت إمارة منطقة مكة المكرمة مهرجان سوق عكاظ الذي يقام في مدينة الطائف منذ انطلاقه في 1428هـ/2007م حتى عام 1439هـ/2017م، ثم تولت وزارة السياحة تنظيمه. يُعد المهرجان ملتقى شعريًا وفنيًا وتاريخيًا يقصده المثقفون والمهتمون بالثقافة والشعر. يُنظم ضمن المهرجان العديد من الندوات والمحاضرات، إضافة إلى مسابقات الخط العربي، والسرد العربي في القصة القصيرة، والتصوير الضوئي والإبداع المسرحي والفنون التشكيلية.
المهرجانات الزراعية: دعم الإنتاج المحلي
تنظم السعودية عددًا من المهرجانات التي تحتفي بالزراعة والإنتاج المحلي، منها مهرجان زيتون الجوف الدولي، في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف، الذي انطلق للمرة الأولى في عام 1429هـ/2008م، للتسويق والترويج للزيتون وزيت الزيتون المنتج من مزارع المنطقة. يشارك فيه عدد من الجهات والمؤسسات، مثل وزارة السياحة، وجامعة الجوف، والغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة، ويعد من المهرجانات الهامة في المنطقة، كما يستقطب عشرات الآلاف من الزوار سنويًا، ويصاحبه عدد من الأنشطة الترفيهية، كما تقام فيه عدة معارض للأسر المنتجة والزيتون ومنتجاته.
مهرجانات الحمضيات والورود
يعرض مهرجان الحمضيات في محافظة الحريق في منطقة الرياض، الذي ينظم برعاية من وزارة السياحة ووزارة البيئة والمياه والزراعة، منتجات مزارع المنطقة من الحمضيات كالبرتقال والليمون واليوسفي والتمور، والترنج وغيرها، مع معرض للعسل المنتج في مزارع الحريق. كما يُنظم العديد من الرحلات السياحية التي يشارك فيها دبلوماسيون أجانب مع عائلاتهم، وتقام الأمسيات الشعرية والمحاضرات، ويجذب سنويًا عشرات الآلاف من الزوار من داخل السعودية وخارجها.
يتزامن مهرجان الورد الطائفي السنوي مع موسم جني الورود في شهر مارس من مزارع الهدا والشفاء وغيرها بمحافظة الطائف، ويجذب سنويًا الآلاف من محبي هذه الزهرة ومنتجاتها، إذ تنتج مصانع المنطقة مجموعة من أجود منتجات الورود، كماء الورد والزيوت العطرية، وقد بلغ عدد زواره مليون زائر. يُنظم ضمن المهرجان عدد من الفعاليات الشعبية والترفيهية ومعارض الزهور.
تتضمن المهرجانات الزراعية الأخرى في السعودية مهرجان الورد والفاكهة في تبوك، ومهرجان المانجو والفواكه الاستوائية، وكذلك مهرجان البن الخولاني السعودي في منطقة جازان، ومهرجان الحمضيات بمنطقة حائل، وغيرها الكثير.
مهرجانات التمور والعسل: كنوز الطبيعة السعودية
تلقى مهرجانات التمور والعسل رواجًا كبيرًا في السعودية، وذلك لأهمية التمور والعسل كمنتجات زراعية رئيسية في المملكة. تنطلق هذه المهرجانات سنويًا في عدد من المناطق، كمهرجان الأحساء للنخيل والتمور الذي تنظمه أمانة الأحساء بالتزامن مع موسم جني التمور بواحة الأحساء، ومهرجان بريدة للتمور، ومهرجان المدينة المنورة الدولي للتمور، ومهرجان العقيق للتمور بمحافظة العقيق في الباحة، بالإضافة إلى مهرجانات العسل، ومنها مهرجان عسل جازان في محافظة العيدابي، ومهرجان العسل الدولي بالباحة.
المهرجانات الترفيهية: بهجة ومتعة للجميع
يرافق مواسم الإجازات في السعودية عدد من مهرجانات الترفيه والتسوق، مثل مهرجان صيف السعودية الذي تشرف عليه وزارة السياحة، ويقام كل سنة في منطقة مختلفة من مناطق المملكة. يتضمن فعاليات ترفيهية وثقافية واجتماعية وتراثية ورياضية، ويسلط الضوء على الوجهات السياحية المتنوعة في السعودية. كما يُنظم عدد من المعارض والعروض المسرحية وبرامج الرحلات السياحية على هامش المهرجان.
يُعد المهرجان منصة لتعريف الإعلام والزوار بفعاليات ومهرجانات الصيف في السعودية، إذ تتفرد كل منطقة بمجموعة مهرجانات وفعاليات تعكس طابع المنطقة وثقافتها ومميزاتها. وعلى غرار مهرجان الصيف، تقام عدة مهرجانات على مدار السنة كمهرجانات الشتاء والربيع والخريف، ومنها على سبيل المثال مهرجان شتاء طنطورة في منطقة العلا التاريخية في المدينة المنورة، ومهرجان ربيع جدة، ومهرجان خريف الدوادمي.
تشهد العاصمة الرياض إقامة فعاليات موسم الرياض الذي يقدم سباقًا للدراجات النارية، وعروضًا لألعاب الجمباز، ونفث النار، والقفز من خلال الحلقات، إضافة إلى الاستعراض على أنغام الموسيقى وأغاني الأوركسترا.
المهرجانات الفنية والثقافية
تشكل المهرجانات الفنية والثقافية خطوة مهمة في إثراء الحركة الفنية والثقافية في السعودية ودعمًا للفنانين والمبدعين، منها مهرجان أفلام السعودية، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومهرجان نور للثقافة والفنون في الرياض.
مهرجانات السباقات: شغف المنافسة والمهارة
يُنظم نادي الصقور السعودي في مدينة الرياض مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور، وهو مهرجان دولي يشهد مشاركة ملاك الصقور في السعودية ومجلس التعاون لدول الخليج العربي. تقام فيه مسابقات للصقور كالملواح والمزاين، كما يقام مهرجان للصقور مماثل في منطقة الحدود الشمالية.
يُقام مهرجان الدرعية للفروسية، في مركز الدهامي للفروسية في منطقة الدرعية التاريخية ضمن موسم الدرعية، ويتضمن المهرجان سباقات للخيول وقفز الحواجز، وتحتسب نقاط مسابقات المهرجان للفرسان المشاركين للتأهل للأولمبياد العالمي للفروسية.
وفي النهايه :
تعكس المهرجانات في السعودية التنوع الثقافي والاقتصادي الذي يميز المملكة، وتمثل نافذة تطل منها على العالم، وتستقبل من خلالها مختلف الثقافات والفنون. هل ستستمر هذه المهرجانات في التطور والازدهار، وهل ستنجح في تحقيق أهداف رؤية 2030 الطموحة؟
