المها العربي: عودة إلى البرية في المملكة العربية السعودية
المها العربي، المعروف أيضًا باسم المها الوضيحي، يمثل رمزًا للحياة البرية في المملكة العربية السعودية. هذا النوع من الثدييات البرية، المنتمي إلى فصيلة البقريات، كان على وشك الانقراض، لكن جهود المملكة أعادت له الأمل. من خلال إنشاء مراكز متخصصة لإكثاره وإعادة توطينه، تسعى السعودية جاهدة للحفاظ على هذا الكائن المهدد.
الوضيحي: سمات وخصائص
يتميز المها الوضيحي بلونه الأبيض الناصع الذي يغطي معظم جسده، مع وجود علامات داكنة على الوجه والقدمين. هذا التباين اللوني هو ما أكسبه اسم “الوضيحي”. يمتلك قرونًا طويلة مستقيمة أو منحنية قليلاً، وهي أكثر سمكًا وقصرًا لدى الذكور مقارنة بالإناث. كما أن حوافره العريضة تساعده على التنقل بسهولة في الرمال.
الموطن الأصلي والتهديد بالانقراض
كانت صحاري شبه الجزيرة العربية، وخاصةً مناطقها الشمالية، الموطن الأصلي للمها العربي. في الستينيات من القرن الماضي، كاد هذا النوع أن ينقرض بسبب الظروف البيئية القاسية، الصيد الجائر، وفقدان الغطاء النباتي. ولكن بفضل إدخاله في محميات خاصة، تم الحفاظ عليه وإكثاره، ثم إطلاقه مرة أخرى في البرية، بهدف استعادة التوازن البيئي وتعزيز التنوع الأحيائي.
جهود المملكة في إكثار المها العربي
أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بحماية الحيوانات المهددة بالانقراض. في هذا الإطار، أطلقت برنامجًا متخصصًا لإكثار المها العربي في عام 1410هـ/1990م. هذا البرنامج تم تنفيذه في مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية، الذي تأسس عام 1406هـ/1986م في محافظة الطائف، وبدأ بـ 38 رأسًا من المها. لاحقًا، عمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية على إعادة توطين هذه الحيوانات في المحميات، من خلال إطلاقها في مجموعات ومتابعتها ورصدها لفهم التحديات التي تواجهها.
إعادة التوطين في المحميات
بدأت عملية إعادة توطين المها العربي في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية، الواقعة شمال شرق الطائف. في عام 1989م، تم تسييج المحمية وإبعاد الحيوانات الرعوية الأليفة عنها. بين عامي 1990 و1993م، تم جلب 38 مهاة عربية من خارج المملكة، بالإضافة إلى 34 مهاة من مركز الأمير سعود الفيصل، ووضعت في مسيجات تمهيدية لمراقبة تأقلمها مع البيئة الجديدة، قبل إطلاقها داخل المحمية.
تزايد الأعداد والتحديات
بين عامي 1990 و1992م، استمرت متابعة القطيع، ولاحظ الباحثون ازدياد أعداده وانتشاره في مجموعات صغيرة. منذ عام 1995م، بدأت استخدام طرق المسح والعد بالعينات الطولية، وبلغ عدد المها حينها حوالي 400. ومع ذلك، وبسبب الجفاف بين عامي 1998 و1999م، انخفضت الأعداد إلى ما بين 350 و400 حيوان. لكن مع سقوط الأمطار ونمو الغطاء النباتي بين عامي 2001 و2002م، ارتفعت الأعداد مرة أخرى لتصل إلى حوالي 500 رأس.
محمية عروق بني معارض
شمل برنامج إعادة التوطين أيضًا محمية عروق بني معارض في الربع الخالي، حيث تم إطلاق المها العربي وغزال الريم لأول مرة في عام 1415هـ/1995م، نظرًا لوجود غطاء نباتي جيد في أودية المنطقة. بلغ إجمالي عدد المها التي أطلقت 149 مهاة، موزعة على 17 مجموعة. تعتمد المحمية على التقنيات الحديثة للمراقبة وإجراء المسوحات والدراسات البيئية، بما في ذلك استخدام طائرات الدرونز والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تطبيق ضوابط الإصحاح البيئي.
جهود إضافية في محميات أخرى
وثقت كاميرات الرصد في محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية تكاثر المها العربي في محمية الملك خالد الملكية، حيث سجلت ولادات جديدة وتزايدًا في الأعداد بعد الإطلاق الأول في عام 2021م، والإطلاق الثاني في عام 2022م. كما تعمل محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية على حماية المها العربي وإكثاره، وقد أطلقت عددًا من القطعان في المحمية في عام 1443هـ/2022م. وشهدت المحمية أول مولود للمها الوضيحي في شهر شعبان من العام نفسه، وفي مايو 2025م، سجلت 8 ولادات جديدة.
عودة إلى البيئة المفتوحة
بعد غياب دام 90 عامًا، شهدت محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية في منطقة الحدود الشمالية أول مولود للمها العربي في يونيو 2022م. وكانت المحمية قد أطلقت عددًا من المها الوضيحي في مارس 2022م، بالتعاون مع هيئة تطوير المحمية. شملت العملية إطلاق 170 حيوانًا مهددًا بالانقراض في محمية الطبيق، منها 50 من المها العربي، في أول إطلاق من نوعه في بيئة مفتوحة شمال غربي السعودية.
جهود أخرى لإعادة التوطين
بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية 82 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محميتي الغراميل ووادي نخلة في مارس 2022م، منها 14 من المها العربي، كأول إطلاق لها في هاتين المحميتين. تحمل هذه الحيوانات أطواقًا لتسهيل متابعتها ورصد مواقعها. وفي عام 2022م، أطلقت محمية نيوم المها العربي بعد غياب دام نحو 100 عام، ضمن برنامج لإعادة توطين الكائنات الفطرية بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية.
إطلاقات حديثة
في نوفمبر 2023م، أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بالتعاون مع محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية، 85 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض، شملت 20 من المها العربي، و40 ظبي ريم، و6 ظباء إدمي، و6 وعول جبلية، إضافة إلى طيور مُعاد تأهيلها.
وفي النهايه :
تعكس هذه الجهود المستمرة التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على التنوع البيولوجي واستعادة التوازن البيئي. عودة المها العربي إلى موطنه الأصلي تمثل قصة نجاح ملهمة، ولكنها أيضًا تذكرنا بأهمية الاستمرار في حماية الأنواع المهددة بالانقراض لضمان مستقبل مستدام للجميع. فهل ستنجح هذه الجهود في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المها العربي وإعادته إلى كامل بيئته الطبيعية؟
