المعارك الحاسمة في تاريخ السعودية
تُعد المعارك التاريخية في السعودية جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البلاد، حيث شهدت الدولتان السعوديتان الأولى والثانية، وكذلك عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، سلسلة من المعارك والغزوات التي أسهمت في توحيد البلاد. قبل قيام الدولة السعودية الأولى، كانت القبائل في وسط شبه الجزيرة العربية تعيش في صراعات مستمرة، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي بسبب وجود العديد من الإمارات المحلية المتناحرة. كانت كل بلدة صغيرة بمثابة دولة مستقلة، الأمر الذي فاقم من التشتت والانقسام، وأشعل فتيل الحروب والنزاعات من أجل السيطرة والنفوذ.
معارك الدولة السعودية الأولى
واجهت الدولة السعودية الأولى، التي تأسست عام 1139هـ/1727م على يد الإمام محمد بن سعود، وضعًا سياسيًا معقدًا. سرعان ما دخلت الدولة في صراع مع دهام بن دواس، أمير الرياض آنذاك، ووصل عدد المواجهات بينهما إلى حوالي 17 موقعة على مدى 28 عامًا. على الرغم من أن دهام عاهد الدولة السعودية أربع مرات، إلا أنه كان ينكث بعهده في كل مرة.
أبرز المعارك والوقائع
شهدت تلك الفترة عددًا من المعارك والوقائع بين الدولة السعودية ودهام، منها وقعة الشراك عام 1160هـ/1747م، ووقعتا البنية والخريزة. تبعت ذلك غزوات أخرى في نجد، مثل موقعة البطيحا في الرياض وموقعة الوطية في ثرمدا.
هزيمة الحائر
وفي إطار سعي الدولة لتوحيد بلدان نجد، وقعت معركة الحائر عام 1178هـ/1764م. التقى الجيش السعودي، بقيادة الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (قبل توليه الحكم)، بجيش حاكم نجران الحسن بن هبة الله. في هذه المعركة، هُزمت قوات الدولة السعودية الأولى، ولجأ الطرفان إلى الصلح وعاد جيش نجران بعده.
انتصار ضرماء
لم تتوقف المعارك والغزوات، فبعد ضم الدولة للرياض عام 1187هـ/1773م، توجهت لإخضاع جنوب نجد. رفض حاكم الخرج زيد بن زامل ذلك وتحالف مع حاكم نجران، وتواجه الطرفان أكثر من مرة، كان آخرها في ضرماء، حيث انتصر الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود على التحالف.
معارك المحافظة على كيان الدولة
تميز عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود بعدد من المعارك، منها تحركه عام 1198هـ/1784م ضد بني خالد في الأحساء. قاد الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود هجومًا ناجحًا، وفي عام 1199هـ/1785م، سار سعود إلى الخرج.
توسيع النفوذ والسيطرة
استمرت العمليات العسكرية للمحافظة على كيان الدولة، وفي عام 1199هـ/1785م، توجهت حملة إلى الدلم والخرج، وأخضعتهما لحكم الدولة السعودية الأولى. بعد ذلك، أصبحت منطقة جنوب نجد بكاملها تحت حكم الدولة السعودية الأولى في عام 1202هـ/1788م. في هذا العام، بويع الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (سعود الكبير) لولاية العهد.
معارك الشرق والغرب
من المعارك البارزة في تلك الفترة معركة غريميل، التي وقعت بالقرب من الأحساء عام 1204هـ/1789م. تحرك الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد آل سعود بقواته قاصدًا بني خالد ورئيسهم آنذاك عبدالمحسن بن سرداح وابن أخته دويحس بن عريعر، وانتهت المعركة بانتصار الأمير سعود. وفي عام 1206هـ/1792م، تحرك الأمير سعود بقواته غازيًا ديار القطيف، فحاصر سيهات وأخذها عنوة، ثم بلدة عنك، وفي هذه المعركة قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد.
التوسع والسيطرة على المناطق
واصل الأمير سعود جهوده الحربية وهاجم في شهر شعبان 1209هـ/ مارس 1795م عشائر الظفير في موقع الحجرة، فهزمها ثم قفل راجعًا. وفي شهر ذي القعدة، سار الأمير سعود بجيوشه نحو الحجاز، فحاصر تربة، وبعد قتال عنيف صالحه أهل البلدة فرجع إلى دياره. استمر ضم المناطق إلى أن تم ضم عسير عام 1213هـ/ 1798م، والحجاز عام 1220هـ/1805م.
معارك الدولة السعودية ضد العثمانيين
أثار توسع الدولة السعودية غضب الدولة العثمانية، التي أرسلت جيوشها لقتال السعوديين. من أبرز المعارك بين الطرفين معركة وادي الصفراء التي وقعت عام 1227هـ/1812م، بين قوات ولاية مصر العثمانية بقيادة أحمد طوسون باشا وقوات الدولة السعودية الأولى في موقع الخيف في وادي الصفراء. انتهت المعركة بانتصار السعوديين وانسحاب طوسون بقواته إلى البريكة، ومنها إلى ينبع.
سقوط الدرعية وقيام الدولة الثانية
أدت تلك الهزيمة إلى إعداد الدولة العثمانية لحملة كبيرة لإسقاط الدولة السعودية. بعد حروب متواصلة، سقطت الدرعية عاصمة الدولة السعودية عام 1233هـ/1818م. ولكن بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، استطاع الإمام تركي بن عبدالله، بعد نشاط متواصل استمر 7 أعوام، أن يطرد الحاميات العثمانية من نجد ويدخل الرياض عام 1240هـ/1824م، مؤسسًا بذلك الدولة السعودية الثانية.
نهاية الدولة السعودية الثانية
شهدت جهود الإمام تركي لاستقرار دولته عدة معارك، من أبرزها معركة السبية عام 1245هـ/1830م، حيث شن هجومًا كاسحًا على جيش بني خالد وحلفائه في الأحساء، واستطاع الإمام تركي وابنه فيصل الاستيلاء على معسكر بني خالد.
التوحيد والاستقرار
استطاع الإمام تركي بن عبدالله بعد ذلك إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قياسية، واستمرت الدولة السعودية الثانية تحكم المنطقة حتى عام 1309هـ/1891م.
آخر حكام الدولة الثانية
كان آخر حكام الدولة السعودية الثانية هو الإمام عبدالرحمن بن فيصل، الذي حكم الدولة على فترتين، الأولى بعد وفاة أخيه سعود بن فيصل بن تركي عام 1291هـ/1875م واستمرت حتى عام 1293هـ/1876م، والثانية بعد وفاة أخيه الإمام عبدالله بن فيصل عام 1307هـ/1889م، وامتدت حتى عام 1309هـ/1891م، العام الذي سقطت فيه الدولة السعودية الثانية.
معارك توحيد المملكة العربية السعودية
كانت الدولة السعودية على موعد جديد مع التاريخ بظهور الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي استطاع بقوة صغيرة في يوم 5 شوال 1319هـ/14 يناير 1902م استعادة مدينة الرياض وتسلم مقاليد الحكم والإمامة وتأسيس المملكة العربية السعودية.
توحيد نجد والمناطق الجنوبية
بادر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى تأسيس الدولة وتوحيد مناطق نجد تباعًا، فبدأ في الفترة 1320هـ – 1321هـ/(1902م-1903م) بتوحيد المناطق جنوب الرياض بعد انتصاره على ابن رشيد في موقعة الدلم القريبة من الخرج عام 1320هـ/1902م، ودانت له كل بلدان الجنوب: الخرج والحريق والحوطة والأفلاج وبلدان وادي الدواسر، ثم توجه إلى منطقة الوشم ودخل بلدة شقراء، ثم واصل زحفه صوب بلدة ثادق فدخلها أيضًا، ومنها إلى منطقة سدير.
توحيد القصيم والمعارك الحاسمة
وخلال الفترة من 1321هـ – 1324هـ(1903م-1906م)، نجح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في توحيد منطقة القصيم وضمها إلى الدولة السعودية بعد أن خاض مجموعة من المعارك، منها: معركة فيضة السر، معركة البكيرية، معركة الشنانة وانتصاره في معركة روضة مهنا في 18 صفر 1324هـ/ 11 أبريل 1906م، وهي إحدى المعارك الكبرى الحاسمة.
معركة تربة
نتيجة لكثير من أحداث التمرد على حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، نشبت الحرب بينه وبين سلطان بن رشيد في عدة معارك أهمها الطرفية عام 1325هـ/1907م، والأشعلي عام 1327هـ/1909م.
صراعات مستمرة وتوحيد نهائي
لم يستمر الصلح بين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وآل رشيد في حائل، فقد عادت المواجهة بينهما من جديد وقامت عدة معارك من أهمها: معركة جراب قرب الزلفي عام 1333هـ/1915م التي لم تكن في مصلحة الطرفين. ومع نشوب الخلاف بين الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والشريف حسين بن علي في الحجاز، كانت معركة تربة عام 1337هـ التي هُزم فيها جيش الشريف.
انتصار السبلة
كانت معركة السبلة إحدى أبرز المعارك في نهاية فترة التوحيد، وقعت عام 1347هـ/1929م بين قوات الملك عبدالعزيز وقوات جماعة الإخوان في روضة السبلة الواقعة في الجهة الشرقية من مدينة الزلفي. كان زعماء جماعة الإخوان بزعامة فيصل الدويش رئيس مطير قد اجتمعوا في بلدة الأرطاوية عام 1345هـ/ 1926م وأعلنوا خروجهم على الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وانتهى الأمر بهزيمتهم.
وفي النهاية :
لقد كانت المعارك التاريخية في السعودية بمثابة حلقات متصلة في سلسلة طويلة من الجهود والتضحيات التي بذلها قادة وشعب هذه البلاد من أجل تحقيق الوحدة والاستقرار. من الدولة السعودية الأولى مرورًا بالدولة السعودية الثانية، وصولًا إلى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، تجسدت معاني العزيمة والإصرار في كل معركة وموقع، لتُرسخ الأساس المتين الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية الحديثة. فهل يمكن اعتبار هذه المعارك مجرد أحداث تاريخية مضت، أم أنها دروس وعبر يجب استلهامها في الحاضر والمستقبل؟