القرآن الكريم: كلام الله الخالد وهداية البشرية
القرآن الكريم هو كلام الله الأخير، الذي أُنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء والمرسلين، ليكون هداية للبشرية ونورًا يضيء لهم دروبهم، مُخرجًا إياهم من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان. يُعتبر القرآن الكريم كلام الله الذي يتعبد المسلمون بتلاوته، وقراءته هي جزء أساسي من الصلوات اليومية. اسم القرآن الكريم يطلق على الآية الواحدة كما يطلق على الكتاب بأكمله.
يُمثل القرآن الكريم رمزًا للقداسة لدى السعوديين، فهم يتعاملون معه باحترام وتبجيل عظيمين، ولا يضعونه على الأرض، بل يحرصون على وضعه في أماكن مرتفعة تحفظه من أي إهانة أو عبث.
مكانة القرآن الكريم
القرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله عز وجل، وهو الكتاب الوحيد المحفوظ من أي زيادة أو نقصان أو تحريف. يعتبر القرآن الكريم أحد الأسباب الرئيسية في الحفاظ على اللغة العربية، فآياته هي شواهد قوية ودلائل عظيمة على فصاحة وبلاغة هذه اللغة. كما يُعد القرآن الكريم المعجزة الخالدة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
تلقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم عن طريق الوحي بواسطة جبريل عليه السلام. أول نزول للقرآن كان جملة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك مُفرّقًا على مدى 23 عامًا، تبعًا للوقائع والأحداث. تنقسم سور القرآن الكريم من حيث النزول إلى قسمين: مكية، وهي التي نزلت قبل الهجرة، ومدنية، وهي التي نزلت بعد الهجرة. يبلغ عدد سور القرآن الكريم 114 سورة، وتتميز أحكامه وآياته بأنها مناسبة لكل زمان ومكان.
القرآن في العهد النبوي
في بداية العهد النبوي، كان القرآن الكريم محفوظًا في صدور الصحابة رضوان الله عليهم، وقد تم جمعه كاملاً في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. بعد أن استُشهد عدد كبير من الصحابة الحافظين للقرآن، أمر الخليفة أبو بكر الصديق بجمعه في مصحف واحد. وعندما ظهرت اختلافات في القراءات بين الأمصار، جمعهم الخليفة عثمان بن عفان على مصحف واحد، وقام بتوزيعه على جميع البلدان، ليقطع بذلك دابر الاختلاف.
يتميز القرآن الكريم بنظمه البديع الذي لا يشبه أي كلام معروف لدى العرب، وبجزالته التي لا يمكن أن تصدر من أي مخلوق. كما يتميز بالإخبار عن قصص الأمم السابقة منذ بداية الدنيا وحتى نزوله، وبالوفاء بالوعود التي تحققت على أرض الواقع، والإخبار عن الغيبيات المستقبلية، وتوضيح الحلال والحرام والأحكام الشرعية الأخرى، وتناسق معانيه الظاهرة والباطنة دون أي اختلاف، بالإضافة إلى ما يحتويه من حكم عظيمة لا يمكن أن تصدر عن بشر.
علوم القرآن الكريم
علوم القرآن هي مجموعة المباحث التي تهتم بدراسة القرآن الكريم من جوانب مختلفة، مثل مراحل نزوله، وترتيبه، وكتابته، وجمعه، بالإضافة إلى القراءات المختلفة، والتفسير، والإعجاز، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، وأسباب النزول التي تساعد على فهم الآيات وتوضيح معانيها، وتعميم الأحكام لتشمل صورًا أخرى مشابهة.
أول ما نزل من القرآن الكريم هو مطلع سورة العلق: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)”. أما آخر ما نزل من القرآن الكريم، ففي أرجح الأقوال، هو الآية رقم 281 من سورة البقرة: “وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”.
عناية السعودية بالقرآن الكريم
حظي القرآن الكريم باهتمام كبير من الخلفاء والأمراء في الدول الإسلامية المتعاقبة بعد عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وفي العهد السعودي، أولت السعودية اهتمامًا خاصًا بالقرآن الكريم من خلال إنشاء دور التحفيظ، وتنظيم المسابقات القرآنية السنوية، وتأسيس مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وتقديم نسخ من القرآن الكريم كهدايا للحجاج والمعتمرين، وتزويد الدول الإسلامية والأقليات المسلمة في مختلف أنحاء العالم بالمصاحف المطبوعة بلغات عالمية وإقليمية ومحلية متعددة.
عمل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف على تطوير قواعد بيانات للقرآن الكريم باستخدام التقنيات الرقمية الحديثة، وتفعيل الخدمات المساندة لنص القرآن الكريم وتلاواته وعلومه، وترجمة معانيه وتفسيره بدقة عالية تتناسب مع أهمية القرآن الكريم ومكانته.
كما تهتم السعودية بالقرآن الكريم من خلال الجمعيات المتخصصة في تلاوة وتحفيظ القرآن الكريم في جميع مدن المملكة، بالإضافة إلى المسابقات التي تنظمها لحفظ القرآن الكريم، ومنها مسابقة الملك عبد العزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم، وجائزة الملك سلمان المحلية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره.
تختص بعض الجهات التطوعية السعودية بالعناية بالقرآن الكريم، فتقوم بإصلاح المصاحف وإعادة تأهيلها وتوزيعها، كما خصصت أماكن للأوراق القرآنية الممزقة للتعامل معها بما يتناسب مع مكانة القرآن الكريم دون الاختلاط بأي شيء آخر.
تطبيق مصحف المدينة النبوية
لتسهيل تلاوة القرآن الكريم، أطلق مجمع الملك فهد تطبيقًا مخصصًا لمصحف المدينة النبوية على نظامي تشغيل الهواتف (أندرويد وأبل) عام 1440هـ/2019م. يتيح التطبيق نسختين من المصحف الشريف: النسخة المعروفة المستخدمة في مصاحف المدينة النبوية بعدد صفحات يصل إلى 604 صفحات، والنسخة غير الموجهة، وهي نسخة إلكترونية كاملة من مصحف المدينة بعدد صفحات يصل إلى 521 صفحة بخط الخطاط الدكتور عثمان طه.
يُعد المركز الخيري للعناية بالمصحف الشريف في محافظة الخرج بمنطقة الرياض أحد أهم المؤسسات القرآنية في السعودية وخارجها، حيث يمتلك في مستودعاته احتياطيًا يبلغ مليوني مصحف جاهز للترميم، ويعمل على تدوير 40 ألف مصحف شهريًا وتجديدها لتلبية احتياجات نحو 60 دولة، بالإضافة إلى تعاونه مع عدد من الجهات الحكومية والسفارات السعودية لتلبية الطلبات وتجديد المصاحف القديمة.
وفي النهايه :
القرآن الكريم، يبقى النور الذي يضيء دروبنا، والدستور الذي ينظم حياتنا، والمعجزة الخالدة التي تشهد على صدق رسالة الإسلام. فهل سنظل متمسكين به، مستنيرين بتعاليمه، عاملين بأحكامه، لنسعد في الدنيا والآخرة؟










