تطوير بئر زمزم في العهد السعودي: مسيرة من الرعاية والاهتمام
بئر زمزم، تلك المعجزة المتدفقة في قلب مكة المكرمة، لم تحظَ بمكانتها الروحية فحسب، بل بعناية فائقة وتطوير مستمر على مر العصور، خاصة في العهد السعودي الزاهر. هذه الرعاية تجسدت في سلسلة من المشاريع والإضافات التي تهدف إلى تسهيل الوصول إلى مياه زمزم المباركة لضيوف الرحمن، وضمان نقائها وجودتها. فيما يلي، نستعرض الخط الزمني لتطوير بئر زمزم في العهد السعودي، والذي يعكس حرص القيادة الرشيدة على خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.
المراحل الأولى من التطوير
1373هـ/1953م: بداية الاهتمام المؤسسي
في عام 1373هـ الموافق 1953م، أصدر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود أمرًا بتركيب مضخة لرفع مياه بئر زمزم إلى خزانين علويين مصنوعين من الزنك. وقد تم تزويد كل خزان باثني عشر صنبورًا، مما أتاح استخدام المياه بالدلاء بسهولة ويسر، وكانت هذه خطوة هامة نحو تنظيم وتسهيل الحصول على مياه زمزم.
1382هـ/1962م: توسعة المطاف وإلغاء الدلاء
في عام 1382هـ/1962م، أمر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود بتوسعة منطقة المطاف، مما استدعى خفض فتحة بئر زمزم إلى قبو يقع أسفل المطاف بعمق 2.7 متر. قُسّم القبو إلى قسمين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، وتم الاستغناء نهائيًا عن الدلاء، مما شكل نقلة نوعية في طريقة الحصول على الماء المبارك.
1393هـ/1973م: إنشاء قبو إضافي
في عام 1393هـ/1973م، أولى الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود اهتمامًا خاصًا ببئر زمزم، فأمر بإنشاء قبو إضافي للبئر، وذلك بهدف التيسير على الحجاج والمعتمرين وتوفير المزيد من الراحة لهم أثناء أداء مناسكهم.
جهود التنظيف والتحديث
1399هـ/1979م: تنظيف البئر بوسائل حديثة
في عام 1399هـ/1979م، أصدر الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود أمرًا بتنظيف بئر زمزم باستخدام أحدث الوسائل المتاحة في ذلك الوقت. تم الاستعانة بغواصين متخصصين، وأسفرت هذه العملية عن زيادة كبيرة في إنتاج البئر وامتلاء العين بكميات أكبر من المياه مقارنة بما كانت عليه قبل التنظيف.
1409هـ/1988م: نظام جديد للشرب والتصريف
في عام 1409هـ/1988م، وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، تضمن مشروع التوسعة السعودية للمسجد الحرام في مرحلته الثانية نظامًا متكاملًا للشرب والتصريف. يتكون النظام من وحدتين، الأولى مضخة كبيرة لماء زمزم مع صنابير للشرب، والأخرى مخصصة للدور الثاني من التوسعة، مما عزز من إمكانية الوصول إلى الماء في مختلف أنحاء المسجد الحرام.
مشاريع معاصرة لخدمة الحجاج والمعتمرين
1424هـ/2003م: تغطية مداخل القبو وتطوير النوافير
في عام 1424هـ/2003م، جرى تغطية مداخل قبو بئر زمزم للاستفادة المثلى من مساحة صحن المطاف وتسهيل حركة المعتمرين والحجاج خلال فترات الازدحام. كما تم تسقيف المداخل المؤدية إلى البئر ونقل نوافير الشرب إلى جانب صحن المطاف، مما ساهم في تحسين تجربة الزوار.
1431هـ/2010م: مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم
في عام 1431هـ/2010م، وجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بإنشاء محطة لتنقية مياه بئر زمزم، بالإضافة إلى مصنع لتعبئة المياه ونقلها، يعمل بنظام آلي متكامل للتحكم والمراقبة والتخزين. عُرف هذا المشروع باسم “مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم”، ويعتبر نقلة نوعية في إدارة وتوزيع المياه المباركة.
1439هـ/2018م: استكمال المشاريع الخاصة بالبئر
في عام 1439هـ/2018م، وافق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على استكمال أعمال المشاريع الخاصة ببئر زمزم، وتأهيل عبّارات الخدمات الخاصة بالبئر، مما يؤكد استمرار العناية الفائقة بهذا المعلم الإسلامي الهام.
وفي النهايه :
إن تطوير بئر زمزم في العهد السعودي يمثل قصة نجاح مستمرة، تجسد اهتمام القيادة الرشيدة بالحرمين الشريفين وضيوف الرحمن. هذه الجهود المتواصلة لم تقتصر على الجانب الإنشائي والتوسعي، بل شملت أيضًا تطوير آليات التنقية والتوزيع، بما يضمن وصول المياه المباركة إلى أكبر عدد ممكن من المسلمين بأعلى معايير الجودة والسلامة. فهل ستشهد الأعوام القادمة المزيد من التطورات التي تخدم هذا البئر المبارك وتزيد من نفعه؟











