الحجرة النبوية: قلب المسجد النبوي الشريف
تعتبر الحجرة النبوية الشريفة، الكائنة في قلب المسجد النبوي بالمدينة المنورة، مثوى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتُعرف أيضًا بالمقصورة الشريفة. كانت هذه البقعة المباركة مسكنه مع زوجته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وقد أُنشئت بعد هجرته إلى المدينة المنورة وتأسيس مسجده الشريف. بعد وفاته، ضمت الحجرة قبري صاحبيه الجليلين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، جنباً إلى جنب، حيث تفصل بين كل قبر والآخر مسافة ذراع. يقف الزائرون الكرام أمام واجهتها القبلية، متوجهين بالسلام على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه.
المكونات المعمارية للحجرة النبوية الشريفة
تتألف الحجرة النبوية من غرفة مسقوفة يبلغ ارتفاعها حوالي مترين، وتبلغ مساحتها الإجمالية 17.75 مترًا مربعًا، بالإضافة إلى حجرة أخرى غير مسقوفة يصل ارتفاع سورها إلى 1.6 متر، في حين يبلغ طول ضلعيها الشرقي والغربي قرابة 2.5 متر، والشمالي والجنوبي حوالي 5.24 متر. كان باب الحجرة النبوية يطل على جهة الروضة الشريفة في الجانب الشرقي من المسجد النبوي، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني رأسه الشريفة إلى عائشة رضي الله عنها وهو معتكف في المسجد لتمشيط شعره.
مثوى الرسول الكريم وصاحبيه
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد مشاورات بين الصحابة الكرام حول مكان دفنه، تم ترجيح ما نقله أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “كل نبي يدفن حيث قبض”، فتم دفنه في الجزء الجنوبي من الحجرة النبوية الشريفة.
ظلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مقيمة في الحجرة بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تضع أي حاجز بينها وبين قبره الشريف. واستمرت على ذلك الحال حتى بعد دفن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، معللة ذلك بأنهما زوجها وأبوها. وبعد دفن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قامت بوضع ساتر بينها وبين القبور الثلاثة.
أبواب الحجرة الشريفة
تتميز الحجرة الشريفة بستة أبواب تقع على جهات مختلفة. الباب الجنوبي، المعروف بباب التوبة، يحمل صفيحة فضية نُقش عليها تاريخ صنعه في عام 1026هـ. أما الباب الشمالي فيُطلق عليه باب التهجد، في حين يُعرف الباب الشرقي بباب فاطمة. الباب الغربي يُسمى باب النبي، ويشتهر أيضًا بباب الوفود. إضافة إلى ذلك، يوجد باب على يمين المثلث داخل المقصورة، وآخر على يسار المثلث داخل المقصورة.
ترميمات وإصلاحات عبر التاريخ
شهدت الحجرة النبوية الشريفة العديد من الإصلاحات والترميمات على مر العصور. أول هذه الترميمات كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما زار المسجد النبوي الشريف في عام 17هـ، وقام باستبدال الجريد الذي كان موجودًا في الحجرة بجدار. وفي عامي 88هـ و91هـ، أعاد الخليفة عمر بن عبدالعزيز بناء الحجرة الشريفة بأحجار سوداء، مع الحفاظ على المساحة الأصلية التي بُني بها بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قام ببناء جدار حول الحجرة الشريفة بخمسة أضلاع، مشكلاً مثلثًا في المؤخرة، وذلك لتمييزها عن الكعبة المشرفة.
فاجعة النهب في العهد العثماني
في عام 1335هـ/1917م، تعرضت الحجرة النبوية الشريفة لعملية نهب لمقتنياتها الثمينة على يد فخري باشا، الحاكم العسكري العثماني للمدينة المنورة خلال فترة الاحتلال. نُقلت هذه المقتنيات عبر سكة حديد الحجاز، ووضعت في عدد من المتاحف في إسطنبول، حيث لا تزال محفوظة حتى اليوم، على الرغم من عدم قانونية ذلك، وكونها إرثًا إسلاميًا يخص المسجد النبوي.
الحجرة النبوية في العهد السعودي الزاهر
في العهد السعودي، حظيت الحجرة النبوية الشريفة بعناية خاصة، حيث حُفظ بناؤها القديم، وتجري صيانتها وترميمها وتدعيمها وتنظيفها بشكل دوري. تتولى الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الإشراف الكامل على هذه الأعمال.
وفي النهايه:
تبقى الحجرة النبوية الشريفة رمزًا مقدسًا في قلوب المسلمين، فهي ليست مجرد بناء تاريخي، بل هي موطن الرسول صلى الله عليه وسلم ومثوى جسده الطاهر، ومهما تغيرت الظروف وتوالت العصور، ستبقى هذه البقعة المباركة محط أنظار المسلمين وموضع احترامهم وتقديسهم، فهل ستشهد الأجيال القادمة عودة مقتنيات الحجرة النبوية إلى مكانها الأصلي في المسجد النبوي؟
