هل تساءلت يومًا عن الدور الرائد الذي لعبته المرأة السعودية في بناء المجتمع وتطويره؟ إننا اليوم نسلط الضوء على شخصية بارزة، هي الجوهرة بنت فيصل بن تركي، التي تعد رمزًا للعطاء والريادة في المملكة العربية السعودية. اشتهرت الجوهرة الفيصل بمساهماتها الجليلة في مجال العمل الخيري والتطوعي، حيث كرست جزءًا كبيرًا من حياتها لخدمة المحتاجين ودعم المبادرات الاجتماعية. إن إسهاماتها المتنوعة تعكس رؤية عميقة لأهمية التنمية المستدامة وتمكين المرأة في المجتمع السعودي.
الجوهرة بنت فيصل بن تركي
الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (1270هـ/1854م – 1350هـ/1931م) شخصية نسائية بارزة في تاريخ المملكة العربية السعودية. بصفتها عمة الملك المؤسس، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لعبت دوراً محورياً في نشأته وتوجيهه.
شهدت الأميرة تحولات كبيرة في الجزيرة العربية، بدءاً من نهاية الدولة السعودية الثانية مروراً بفترة التشتت والفوضى، وصولاً إلى توحيد المملكة على يد الملك عبدالعزيز. هذه الحقبة الزمنية جعلت من الأميرة الجوهرة شاهدة على تاريخ حافل بالتحديات والانتصارات.
تميزت الجوهرة بنت فيصل بعلاقة وثيقة واستثنائية مع الملك عبدالعزيز منذ صغره. لم تكن مجرد عمة، بل كانت مرشدة وملهمة له. غرست فيه حب الوطن والطموح لإعادة أمجاد أسرته.
كانت الأميرة الجوهرة تحثه باستمرار على إحياء مجد بيت آل سعود، محفزة إياه على إعادة تأسيس الدولة السعودية. تعتبر كلماتها وتشجيعها من العوامل التي ساهمت في تكوين شخصية الملك عبدالعزيز القيادية وإصراره على تحقيق الوحدة الوطنية.
كانت الأميرة الجوهرة ترى في الملك عبدالعزيز الشاب الأمل في استعادة حكم آل سعود. لذا، لم تدخر جهداً في دعمه وتشجيعه. روت له قصص الأجداد وبطولاتهم، وأشعلت فيه الحماس لاستعادة أمجادهم.
كلماتها بمثابة الوقود الذي غذى طموحه وعزيمته. يمكن القول إن الأميرة الجوهرة كانت القوة الدافعة التي ألهمت الملك عبدالعزيز للقيام بتلك المهمة التاريخية الصعبة، والتي تكللت بتأسيس المملكة العربية السعودية.
حياة الجوهرة بنت فيصل بن تركي
ولدت الأميرة الجوهرة بنت فيصل في عام 1270 هـ، الموافق 1854 م، ونشأت في رعاية والدها الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله، ووالدتها هي سارة بنت عبدالعزيز بن معمر. كان والدها الإمام فيصل بن تركي شخصية بارزة في تاريخ الدولة السعودية الثانية.
حيث قاد جهوداً كبيرة في توحيد البلاد وتعزيز الاستقرار. يُذكر أن جدها لأمها، عبدالعزيز بن معمر، كان من أبرز علماء نجد خلال القرن الثالث عشر الهجري، الموافق التاسع عشر الميلادي، مما أسهم في تكوين بيئة ثقافية غنية أثرت في حياتها.
لقد كان لنشأة سارة بنت عبدالعزيز في بيت يزخر بالعلم والمعرفة أثر بالغ على ابنتها الجوهرة، حيث أدركت قيمة التاريخ والسير، وحفظت كتاب الله، واهتمت بجمع الكتب ووقفها على طلاب العلم لينهلوا من معينها. لم تقتصر جهود الأميرة الجوهرة على جمع الكتب فحسب.
بل كانت تشجع العلماء وتقدم لهم الدعم المادي والمعنوي، مما ساهم في ازدهار الحركة العلمية في المنطقة. وقد ساهمت هذه المبادرات في تخريج جيل من العلماء والقضاة الذين خدموا المجتمع بعلمهم ومعرفتهم. الأميرة الجوهرة لم تكتفِ بدورها كجامعة للكتب وواقفة لها، بل كانت محفزة للتعليم بين النساء.
مما يعد إسهامًا رائدًا في وقت كانت فيه فرص التعليم محدودة للإناث. شجعت النساء على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، مما أدى إلى زيادة الوعي الثقافي والعلمي في المجتمع النسائي. يُذكر أنها أقامت حلقات تعليمية في منزلها، حيث كانت تستضيف معلمات لتدريس النساء والفتيات، مما جعل منزلها مركزًا ثقافيًا وعلميًا.
إرثها الثقافي والعلمي
تُعتبر الأميرة الجوهرة بنت فيصل رمزًا للعطاء الثقافي والعلمي، حيث جسدت نموذجًا فريدًا للمرأة المتعلمة والواعية التي سعت جاهدة لنشر المعرفة وخدمة مجتمعها. لقد تركت بصمات واضحة في مجالات متعددة، ولا يزال إرثها يلهم الأجيال حتى اليوم.
يُعد دعم الأميرة الجوهرة للتعليم وتشجيعها للباحثين من أبرز إنجازاتها، حيث قدمت منحًا دراسية للطلاب المتفوقين وساهمت في إنشاء المكتبات وتزويدها بأحدث الكتب والمراجع.
كما حرصت على تكريم العلماء والمفكرين تقديرًا لإسهاماتهم القيمة في مختلف المجالات. ويُذكر أنها كانت تشجع على إقامة الندوات والمحاضرات العلمية التي تهدف إلى نشر المعرفة وتوسيع آفاق الباحثين والطلاب.
لعبت الأميرة الجوهرة دورًا بارزًا في إغناء المشهد الثقافي والعلمي في منطقة نجد، حيث دعمت العديد من المشاريع الثقافية والعلمية التي ساهمت في تطوير المنطقة وتعزيز مكانتها كمركز للإشعاع الفكري والثقافي.
فقد تبنت مبادرات تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي للمنطقة وتشجيع الفنون والآداب، بالإضافة إلى دعمها للمراكز البحثية والمؤسسات التعليمية. تركت الأميرة الجوهرة بصمة مؤثرة في الأجيال التي تلتها من العلماء والمفكرين.
حيث ألهمت الكثيرين لمواصلة التعليم والبحث العلمي وخدمة مجتمعهم. فقد كانت قدوة حسنة للمرأة السعودية الطموحة التي تسعى لتحقيق النجاح والتميز في مختلف المجالات. كما أن إسهاماتها في مجال التعليم والثقافة لا تزال تلهم الباحثين والعلماء حتى اليوم.
أحداث عاصرتها الجوهرة بنت فيصل آل سعود
كانت الأميرة الجوهرة بنت فيصل شاهدة على نهاية عهد الدولة السعودية الثانية، التي قام بتأسيسها جدها الأمير تركي بن عبدالله. بعد معركة المليداء في عام 1308هـ الموافق 1890م، أصرت على البقاء في الرياض. وعملت جاهدة على غرس الإصرار والعزيمة في نفوس أفراد أسرة آل سعود.
إضافة إلى ذلك، لعبت دورًا حيويًا في تحفيز الملك عبدالعزيز على استعادة الرياض عام 1319هـ الموافق 1902م والبدء في إعادة بناء الدولة السعودية. عنيت الجوهرة بنت فيصل بن تركي بتعليم النساء وتثقيفهن.
وبذلت جهودًا بارزة في سبيل ذلك، وكانت تستضيفهن في قصر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وبعد جهودها في التشجيع على استعادة الرياض وبناء المملكة العربية السعودية، توفيت الجوهرة عام 1350هـ/1931م.