التوسعة السعودية الثانية للمسجد النبوي: نقلة معمارية وتوسيع للطاقة الاستيعابية
شهد المسجد النبوي الشريف في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود توسعة هائلة، تعتبر التوسعة السعودية الثانية، حيث ارتفعت القدرة الاستيعابية للمصلين من 167 ألف إلى مليون مصلٍ خلال أوقات الذروة. هذا المشروع العملاق لم يكن مجرد إضافة مساحات، بل كان تحولاً جذرياً في البنية المعمارية والخدمات المقدمة لزوار المسجد.
بداية التوسعة المباركة
في الثاني من نوفمبر عام 1984م، الموافق 9 صفر 1405هـ، وضع الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حجر الأساس لهذه التوسعة التاريخية. وبعد سنوات من العمل الدؤوب، تم الانتهاء من المشروع في عام 1993م، الموافق 1414هـ، ليصبح المسجد النبوي تحفة معمارية فريدة وقبلة للمسلمين من شتى بقاع الأرض.
تفاصيل التوسعة السعودية الثانية
توسعة شاملة ومتكاملة
التوسعة شملت الجهات الشرقية والغربية والشمالية من المسجد، بإضافة مساحة تقدر بـ 82 ألف متر مربع، مما استوعب نحو 150 ألف مصلٍ إضافي. بذلك، بلغت المساحة الإجمالية للمسجد 98,326 مترًا مربعًا، لتستوعب 178 ألف مصلٍ. كما أضيفت مساحة السطح البالغة 67 ألف متر مربع، والتي تم تجهيز 58,250 مترًا مربعًا منها للصلاة، لتستوعب 90 ألف مصلٍ. هذا ضاعف مساحة المسجد النبوي من 16,326 مترًا مربعًا إلى 165 ألف مترًا مربعًا، منها 156,576 مترًا مربعًا مخصصة للصلاة، تستوعب 268 ألف مصلٍ. بالإضافة إلى ذلك، تمت إضافة مساحة للساحات المحيطة بالمسجد تقدر بـ 135 ألف متر مربع.
مواقف السيارات: تسهيل الوصول والراحة
لم تقتصر التوسعة على المساحات الداخلية والخارجية للمسجد، بل امتدت لتشمل إنشاء مواقف سيارات تحت ساحات المسجد النبوي، مما ساهم في توفير الراحة وسرعة الوصول للمصلين. تضمنت هذه المواقف العديد من الخدمات، مثل المرافق، ودورات المياه، والسلالم الكهربائية، والمصاعد. توزعت المواقف على الجهات الأربع للمسجد، ولها 5 مداخل ومخارج، وتبلغ المساحة الإجمالية المخصصة لوقوف السيارات قرابة 199 ألف متر مربع، وتضم 24 وحدة للوقوف، 8 منها مخصصة للمشتركين، و16 للدفع الفوري، وكل وحدة تتسع لنحو 184 سيارة، بالإضافة إلى 48 جهاز محاسبة ذاتية.
الطابق الأرضي: تصميم فريد وروحانية عالية
الطابق الأرضي للتوسعة يرتفع 12,55 مترًا، بينما يبلغ ارتفاع القبو (البدروم) المعد للخدمات 4 أمتار. يضم الطابق الأرضي 2,028 عمودًا مكسوًا بالرخام، ويعلوه تيجان نحاسية تحتوي على سماعات الصوت. لكل عمود قاعدة رخامية بها فتحات تكييف نحاسية، وتتباعد هذه الأعمدة عن بعضها بمسافة 6 أو 18 مترًا لتشكل أروقة وأفنية داخلية متناسقة، تعكس روح العمارة الإسلامية وتوفر منظرًا جماليًا مهيبًا.
كما تضمنت التوسعة إنشاء دور سفلي (بدروم) بمساحة الدور الأرضي، لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى. وشمل المشروع أيضًا إحاطة المسجد النبوي بساحات تبلغ مساحتها 23 ألف متر مربع، مغطاة بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية بطرز إسلامية متعددة، مع تخصيص 135 ألف متر مربع للصلاة تستوعب 250 ألف مصلٍ.
القباب المتحركة: تكنولوجيا وجمال
زُوّد مبنى التوسعة بسبع وعشرين قبة متحركة، يبلغ قطر كل واحدة منها 18 مترًا، وتزن 80 طنًّا، وتغطي مساحة 323 مترًا مربعًا. تتميز هذه القباب بخاصية الانزلاق على مسارات حديدية مثبتة فوق سطح التوسعة، ويتم فتحها وغلقها عن بعد، مما يوفر التهوية الطبيعية في الأحوال الجوية المناسبة. تصميم القباب يتماشى مع أحدث طرق الإنشاء وأفضل أساليب العمارة، ليمنح مبنى التوسعة منظرًا جماليًا خلابًا، ويحقق التناسق والانسجام مع مبنى المسجد القديم. وقد تم تجهيز السطح بطريقة تمكن من بناء دور ثان فوق التوسعة إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك مستقبلًا.
البوابات الرئيسية: مداخل متعددة وتصميم مميز
خُصصت للتوسعة 7 بوابات رئيسية، في الجهات الشمالية والشرقية والغربية، ويحتوي كل مدخل رئيس على 5 أبواب متجاورة، بالإضافة إلى بوابتين جانبيتين، ومدخلين رئيسيين في الجهة الجنوبية للتوسعة، يحتوي كل مدخل منهما على 3 أبواب متجاورة، إضافة إلى 10 أبواب جانبية و12 بوابة للسلالم المتحركة التي تؤدي إلى سطح التوسعة. يبلغ مجموع الأبواب الخشبية الخارجية للتوسعة 142 بابًا، منها 65 بابًا كبيرًا، كما يوجد 18 سلمًا وستة مبانٍ للسلالم المتحركـة تحتوي على 24 سلمًا.
في وسط الناحية الشمالية للتوسعة تقع بوابة الملك فهد بن عبدالعزيز، وهي المدخل الرئيس للتوسعة، وتعلو هذا المدخل 7 قباب، وعلى كل جانب من جانبيه مئذنة بارتفاع نحو 105 أمتار. وبذلك، يبلغ مجموع المآذن بالمسجد النبوي بما فيه التوسعة 10 مآذن، ست منها جديدة، ارتفاع الواحدة منها نحو 105 أمتار، بزيادة نحو 33 مترًا عن ارتفاع المآذن الموجودة بالتوسعة السعودية الأولى. تتوزع المآذن على الأركان الأربعة للتوسعة، مع وجود مئذنتين على جانبي المدخل الرئيس.
التوسعة السعودية الثانية بعد الملك فهد
بعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز، أكمل الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بعض أعمال التوسعة المتبقية في ساحات المسجد النبوي، حيث أضيفت إليها 250 مظلة كهربائية، ودعمت بـ 436 مروحة رذاذ، تعمل على ترطيب الأجواء وتخفيف الحرارة.
كما أشرف على تنفيذ الساحة الشرقية بمساحة تصل إلى 37 ألف متر مربع، قبل توجيهه ببدء أعمال التوسعة السعودية الثالثة عام 1433هـ/2012م.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود استمرت الرعاية والعناية السعودية بالحرمين الشريفين، ومن ذلك أمره باستكمال التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي والمسجد النبوي، حيث دشن العديد من المشروعات.
إحصاءات المسجد النبوي
يضم المسجد النبوي حاليًا 229 بابًا داخليًّا وخارجيًّا، و196 قبة ما بين ثابتة ومتحركة، و10 مآذن، و10,496 كرسي مصحف، و262 مظلة في الساحة وفي الداخل، و436 مروحة رذاذ.
وفي النهاية :
تعتبر التوسعة السعودية الثانية للمسجد النبوي الشريف علامة فارقة في تاريخ العمارة الإسلامية، حيث جمعت بين الأصالة والمعاصرة، ووفرت بيئة مريحة وروحانية للمصلين والزائرين. هذه التوسعة ليست مجرد مبانٍ ومساحات، بل هي تعبير عن اهتمام القيادة السعودية بالحرمين الشريفين ورعاية قاصديهما. فهل ستشهد الأعوام القادمة تطورات أخرى تزيد من قدرة المسجد النبوي على استيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار والمعتمرين؟
