تطوير التعليم في عهد الملك عبد العزيز
بدأ تطوير التعليم في عهد الملك عبدالعزيز مع توحيد الحجاز عام 1925، حيث أولى الملك المؤسس اهتمامًا كبيرًا بنشر العلم والمعرفة في أرجاء البلاد، وتوعية المجتمع بأمور الدين وخدمة الوطن. وقد شهد عام 1926 تطبيق أول منهج تعليمي رسمي في هذا العهد.
تنظيم التعليم في عهد الملك عبدالعزيز
بعد استقرار الأوضاع في الحجاز، عقد الملك عبدالعزيز اجتماعًا هامًا مع العلماء والمهتمين بالتعليم في مكة المكرمة عام 1925. تم خلال هذا الاجتماع بحث سبل دعم التعليم وتطويره، ومراجعة الخدمات التعليمية القائمة. ومن أبرز نتائجه تأسيس مديرية المعارف العامة لتكون الجهة المسؤولة عن تطوير الحركة العلمية وتوسيع نطاقها.
مديرية المعارف العامة
تأسست مديرية المعارف العامة في عام 1926، لتشكل نقطة تحول نحو التعليم الحديث في المملكة العربية السعودية. قسمت المديرية إلى أربعة أقسام رئيسية: الإدارة، التعليم، التفتيش، والامتحانات. تولت المديرية الإشراف الكامل على المدارس وتطويرها، ومنح مديرها صلاحيات واسعة.
قدمت المديرية برامج تعليمية متكاملة لجميع المراحل، وافتتحت مدارس جديدة في مختلف المناطق التي كانت مقسمة إلى سبع مناطق تعليمية، يشرف على كل منطقة معتمد للمعارف. ارتفع عدد المدارس إلى 27 مدرسة ضمت أكثر من 4418 طالبًا، بالإضافة إلى المعهد العلمي السعودي الذي التحق به 57 طالبًا. عملت المديرية على توحيد المناهج الدراسية لتناسب احتياجات البلاد.
في عام 1927، أنشئ مجلس المعارف برئاسة مدير المعارف، بهدف الإشراف على النظام التعليمي في الحجاز، وتوحيد التعليم وجعل التعليم الابتدائي إلزاميًا ومجانيًا، بالإضافة إلى تقسيم التعليم إلى أربع مراحل: التحضيري، والابتدائي، والثانوي، والعالي.
في عام 1932، توسعت صلاحيات المديرية لتشمل جميع الشؤون التعليمية في المملكة باستثناء التعليم العسكري. وفي عام 1938، صدر نظام جديد للمعارف يمنح مدير المعارف صلاحيات واسعة، ويشكل مجلس المعارف من أعضاء من مديرية التعليم ومهتمين بشؤون التعليم، وتضمنت مهام المجلس تأسيس المدارس، وإقرار المناهج، وإيفاد البعثات، والإشراف على الاختبارات.
في عام 1936، اقتصر دور مجلس المعارف على الجانب الاستشاري، وأسندت جميع الصلاحيات لمديرية المعارف لتجنب تداخل المهام.
حرص الملك المؤسس على توفير الدعم المالي لتطوير التعليم، حيث ارتفعت ميزانية مديرية المعارف من 5670 جنيهًا ذهبيًا في عام 1926 إلى 20 مليون ريال في عام 1954.
وزارة المعارف
في عام 1954، أُنشئت وزارة المعارف لتتولى مسؤوليات مديرية المعارف العامة، بما في ذلك نشر العلم، ومكافحة الأمية، ووضع السياسات التعليمية، وتطوير البرامج التربوية، وتوفير المعلمين، وتطوير مفاهيمهم التربوية، وإعداد المعلمين وتدريبهم، من خلال إنشاء المعاهد الابتدائية، ومعاهد المعلمين الثانوية، وتنظيم الدورات الصيفية.
مراحل التعليم في عهد الملك عبدالعزيز
عند تأسيس مديرية المعارف العامة، كان هناك خمس مدارس فقط في الحجاز، وتضمنت الدراسة فيها مرحلتين: التحضيرية (ثلاث سنوات) والابتدائية (أربع سنوات). توسعت حركة التعليم لتشمل مراحل وتخصصات عدة.
المرحلة الابتدائية
في عام 1942، دمجت المرحلتان التحضيرية والابتدائية في مرحلة واحدة تحت مسمى المرحلة الابتدائية، ومدتها ست سنوات. لم يقتصر افتتاح المدارس على المدن، بل شمل الأرياف حيث كانت تعرف باسم المدارس القروية منذ عام 1927.
اعتمدت المدارس القروية مناهج مختلفة عن تلك التي تُدرَّس في المدن، وكان يعمل فيها معلم واحد أو اثنان، وكانت مدة الدراسة أربع سنوات. وفي عام 1956، أُلغي نظام المدارس القروية ووُحِّدت المناهج.
أُنشئت مدارس المنصورية والناصرية في المدينة المنورة عام 1925، ومدرسة الملك عبدالعزيز الابتدائية في مكة المكرمة عام 1926، بالإضافة إلى مدارس أخرى مثل السعودية والفيصلية والمحمدية. بدأت مدرسة الأمراء في الرياض عام 1937، وكانت خاصة بأبناء الملك عبدالعزيز. بنهاية عهد الملك عبدالعزيز، وصل عدد المدارس الابتدائية إلى 326 مدرسة، تضم 60 ألف طالب، ويعمل بها 1652 معلمًا.
مرحلة ما بعد التعليم الابتدائي
أُنشئ المعهد الإسلامي في مكة المكرمة عام 1926 كأول مدرسة حكومية لمرحلة ما بعد التعليم الابتدائي، ثم تحول إلى المعهد العلمي السعودي عام 1928، وركزت مناهجه على التعليم الديني، وكانت مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات بالإضافة إلى سنة إعدادية، وكان يهدف إلى إعداد معلمي المرحلة الابتدائية.
في عام 1947، تقرر تمديد الدراسة في المعهد إلى خمس سنوات، يحصل الطالب بعدها على شهادتين: الأولى بعد السنة الثالثة، والثانية بعد السنة الخامسة، مما يتيح للطلاب الالتحاق بمهنة التدريس أو الكليات.
شملت متطلبات القبول في المعهد الإلمام بالعبادات وقواعد اللغة العربية والإملاء والحساب والخط، وقدمت المديرية إعانة شهرية للطلاب. افتُتحت فروع للمعهد في عنيزة والمدينة المنورة، وفي عام 1935 أُلحق بالمعهد قسم لإعداد معلمي المرحلة الثانوية.
مرحلة التعليم الثانوي
يمثل افتتاح مدرسة تحضير البعثات عام 1936 بداية التعليم الثانوي الحديث في مكة المكرمة، وكانت تهدف إلى إعداد الطلاب للدراسة الجامعية في الخارج. بدأت الدراسة فيها عام 1937، واشتملت على سنة إعدادية تليها ثلاث سنوات دراسية.
شملت شروط القبول أن يكون المتقدم سعوديًا وحاصلًا على شهادة المعهد العلمي أو ما يعادلها، وأن يلتزم بنظام البعثات. عُدلت مدة الدراسة إلى خمس سنوات تسبقها سنة إعدادية، وفُتح باب القبول للحاصلين على الشهادة الابتدائية، وقسمت الدراسة إلى مرحلتي الكفاءة الثانوية (ثلاث سنوات) والثانوية (سنتان). ثم عُدلت مدة الدراسة في المرحلة الثانوية إلى ثلاث سنوات، يتخصص الطالب في العام الثالث في الدراسات الأدبية أو العلمية. وفي عام 1954 عُدل النظام مرة أخرى، حيث يبدأ الطالب التخصص بعد السنة الأولى، وأُلغيت شهادة الثقافة العامة.
التعليم الصناعي والتدريب الفني
أنشأت مديرية المعارف العامة مدرسة التعليم الصناعي في جدة عام 1949، واشترطت الحصول على الشهادة الابتدائية للقبول فيها. ثم أُنشئت سبع مدارس صناعية أخرى في جدة والرياض والمدينة المنورة والدمام، وصرف للطلاب مكافآت مالية.
في عام 1953، أُنشئت المدرسة التجارية المتوسطة في مكة المكرمة؛ لتأهيل الخريجين للعمل في التجارة والمحاسبة والاقتصاد. وفي عام 1954، أُنشئت المدرسة الصناعية في الرياض.
التعليم الليلي (تعليم الكبار)
أولت مديرية المعارف العامة اهتمامًا بتعليم الكبار، فافتتحت القسم الليلي في المعهد العلمي السعودي، ثم افتتحت عددًا من المدارس الليلية في مكة المكرمة عام 1932، ودرس فيها خريجو المعهد العلمي السعودي. افتُتحت مدارس ليلية ذات مناهج متنوعة، مثل مدرسة تعليم اللغة الإنجليزية عام 1937، ومدرسة تحسين الخطوط عام 1949، ومدرسة المعلمين الليلية عام 1950.
مع إقبال المواطنين، افتتحت مديرية المعارف العامة مدارس ليلية في جدة والمدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف والأحساء، وكانت تابعة للمدارس الابتدائية، ويطبق عليها نظام المرحلة الابتدائية حتى عام 1953، حين وضعت المديرية مناهج وأنظمة تناسب متطلبات الدارسين.
أتاحت حكومة الملك عبدالعزيز للأهالي دعم تعليم الكبار ومحو الأمية، وفي عام 1939 أصدر مجلس المعارف نظامًا لتشجيع المدارس الليلية، وتتابعت المساعدات المالية والفنية لجميع المدارس الأهلية المعنية بتعليم الكبار. لم يقتصر دعم الملك عبدالعزيز على تعليم الكبار في المدن، بل شمل إرسال العلماء إلى شيوخ القبائل لتعليمهم أمور دينهم ومبادئ القراءة والكتابة.
التعليم الأهلي
قدم الملك عبدالعزيز دعمًا لمدارس الحجاز الأهلية، مثل زيارته لمدرسة الفلاح الأهلية عام 1925 ومنحها الدعم المالي والعيني. وفي عام 1939 افتُتحت مدارس عبدالله القرعاوي جنوبي السعودية، ومنح الملك عبدالعزيز رواتب شهرية للمعلمين.
كان من مهام مديرية المعارف العامة الإشراف على التعليم الأهلي وتطويره وتنظيمه ودعمه، وأصدرت المديرية إعلانًا يقضي بإصدار تراخيص لإنشاء المدارس الأهلية، وتراخيص خاصة للمعلمين الراغبين في العمل فيها، وقدم الملك عبدالعزيز إعانات للمدارس الأهلية. وفي عام 1947 أصدرت المديرية نظامًا خاصًا بالمدارس الأهلية وشروط إنشائها وقواعد تشغيلها.
التعليم العالي
عمدت مديرية المعارف العامة في عهد الملك عبدالعزيز إلى ابتعاث الطلاب من خريجي مدرسة تحضير البعثات إلى الجامعات العربية والأمريكية والأوروبية، للتخصص في مختلف العلوم.
ابتعثت المديرية نحو 40 طالبًا إلى مصر عام 1927، ونحو تسعة طلاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1951، ثم انتظمت البعثات سنويًا إلى مختلف دول العالم. ومع ارتفاع الطلب على التعليم العالي، أنشأت مديرية المعارف ثلاث مؤسسات للتعليم العالي الحديث في السعودية: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في مكة المكرمة عام 1950، ثم كلية المعلمين في مكة المكرمة، وبعدها كلية الشريعة في الرياض.
تأهيل المعلمين
اهتمت مديرية المعارف العامة بتأهيل وإعداد المعلم السعودي، فافتتحت المعهد العلمي السعودي لإعداد المعلمين وتأهيلهم للتدريس في المرحلة الابتدائية عام 1926. ومع تزايد الحاجة للمعلم الوطني، اعتمدت على المواطنين الذين يجيدون القراءة والكتابة مع رغبتهم في مهنة التدريس، وتعرف هذه المرحلة باسم معلم الضرورة. افتُتح فرع للمعهد في عنيزة، ومعهد آخر في المدينة المنورة، وفي عام 1953 عُدل مسمى المعهد إلى معاهد إعداد المعلمين الابتدائية، وافتتحت المديرية ثلاثة معاهد جديدة.
وفي النهايه :
تعكس هذه الجهود الرائدة في تطوير التعليم في عهد الملك عبدالعزيز رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء مجتمع متعلم ومثقف، قادر على مواكبة التطورات والمساهمة الفعالة في نهضة الوطن. إن هذه الأسس القوية التي وضعت في تلك الفترة لا تزال تشكل حجر الزاوية في نظام التعليم السعودي الحديث. فهل يمكن اعتبار هذه الجهود نموذجًا يحتذى به في بناء الأنظمة التعليمية الحديثة في الدول النامية؟