الاستيطان البشري المبكر في السعودية: نظرة تاريخية
تُعتبر المملكة العربية السعودية، الواقعة في قلب شبه الجزيرة العربية، من أوائل المناطق التي استقبلت الاستيطان البشري في قارة آسيا. يعود تاريخ الوجود الإنساني فيها إلى نحو مليون وربع المليون سنة، خلال العصور الحجرية المبكرة، حيث كانت بمثابة معبر للهجرات الأولى من أفريقيا إلى آسيا.
تاريخ الاستيطان البشري في السعودية
تتبعت الدراسات الأثرية تاريخ الاستيطان البشري في المملكة من خلال تحليل مسارات انتشار الإنسان في شبه الجزيرة العربية. وقد اعتمدت هذه الدراسات على الأدوات، الأسلحة، والمخلفات التي تركها الإنسان القديم في مواقع مختلفة، مما ساهم في رسم صورة واضحة عن تلك الحقبة الزمنية.
آثار الإنسان القديم في السعودية
تشير الدراسات الأثرية إلى أن الإنسان القديم وصل إلى أرض المملكة عبر مسارين رئيسين: إما من الشمال أو من الجنوب. يرى بعض الباحثين أن جبال الحجاز كانت البوابة الأولى لدخول الإنسان إلى شبه الجزيرة العربية، حيث يُفترض أنه انتقل عبر الأودية الأفريقية من تنزانيا، مرورًا بوادي النيل، وصولًا إلى شبه جزيرة سيناء، ثم انحدر جنوبًا نحو جبال الحجاز في شمال غربي المملكة.
انتشار الإنسان القديم في شبه الجزيرة العربية
ويرجح باحثون آخرون أن نقطة انتشار الإنسان القديم في شبه الجزيرة العربية وآسيا كانت عبر جبال السروات. أي أن الإنسان القديم ارتحل من أفريقيا، وبالتحديد من أراضي تنزانيا، عبر البحر الأحمر. انطلق من الأودية الأفريقية حتى وصل إلى سواحل البحر الأحمر، عند مضيق باب المندب، ومنه انتقل إلى شبه الجزيرة العربية. سهّل هذا الانتقال عرض البحر الذي يبلغ 28 كيلومترًا، بالإضافة إلى الجزر المتناثرة التي استخدمها الإنسان باستخدام قوارب بدائية مصنوعة من ألواح خشبية مسطحة، ليصل إلى جنوب شبه الجزيرة العربية عبر جبال السروات، ثم إلى أودية نجران. وتدعم هذه النظرية الأدوات الحجرية التي عُثر عليها في شعيب دحضة ووادي تثليث، والتي يعود تاريخ استخدامها إلى نحو 1.5 مليون سنة قبل الميلاد.
آثار الاستيطان البشري في السعودية
تضم المملكة العربية السعودية اليوم العديد من مواقع الاستيطان التي تعود إلى العصر الحجري، حيث عُثر فيها على أدوات حجرية قديمة. من بين هذه المواقع: شعيب دحضة ووادي نجران في منطقة نجران، ومحافظة الدوادمي في منطقة الرياض، إضافة إلى ضفاف أودية مثل وادي تثليث، وادي فاطمة، وادي الدواسر، وادي صفاقة، وادي السليل، ووادي صلبوخ، ووادي الحيسية. كما توجد مواقع أخرى تعود إلى العصر الحجري الحديث في المنطقة الشرقية وصحراء الربع الخالي ووادي الغيران وقرية الفاو ومحافظتي السليل وضرما، ومنطقة الثمامة، ومواقع عين قناص والدوسرية وأبو خميس في المنطقة الشرقية.
عوامل انتشار الاستيطان البشري في السعودية
شهدت أرض المملكة خلال الألفين الثالث والرابع قبل الميلاد توسعًا في عمليات الاستيطان البشري، نتيجة لعدة عوامل، منها تجارة المقايضة، وحركة الهجرة، والتواصل البشري. تُعرف هذه الفترة تاريخيًا بفترة الممالك العربية القديمة، حيث كانت طرق التجارة القديمة العامل الرئيس في هذا التوسع. وظهرت ما يُعرف بمدن القوافل التجارية، وهي محطات تجارية ذات مقومات عمرانية تقع على المسارات الرئيسة لطرق القوافل، حيث كان الرحالة ينزلون للاستراحة، وأصبحت هذه المحطات فيما بعد النواة الاستيطانية للعنصر البشري في تلك الفترة.
وفي هذه الحقبة، عرف الإنسان في شبه الجزيرة العربية ممارسة النشاط السياسي وتشكيل السلطات والزعامات، التي انطلقت من حق الإنسان الأول الذي سكن أرض المملكة خلال الهجرات المبكرة في تكوين السلطات التي تحولت فيما بعد إلى ممالك.
مواقع تاريخ الاستيطان البشري في السعودية
يعود أقدم تقسيم اصطلاحي لأرض المملكة العربية السعودية إلى فترة الممالك العربية القديمة، حيث تُحدد مواقع الاستيطان البشري في تلك الفترة إلى تقسيم مناطقي يشبه إلى حد كبير التقسيم الإداري الحالي للمملكة. يشمل هذا التقسيم ستة أقاليم جغرافية، تم تخطيطها وفقًا لمعطيات أثرية وتاريخية متجانسة: الإقليم الشرقي (المنطقة الشرقية حاليًا)، الإقليم الشمالي (منطقة الحدود الشمالية، حائل، الجوف)، الإقليم الأوسط (الرياض والقصيم)، الإقليم الشمالي الغربي (الأجزاء الشمالية الغربية من المملكة، بما في ذلك المدينة المنورة وتبوك، ومدن مثل دادان (العلا حاليًا)، تيماء، الخريبة، ويثرب). نشأت في هذا الإقليم العديد من الممالك العربية القديمة، مثل مملكة تيماء، مملكة دادان، مملكة لحيان، ومملكة الأنباط.
يقع غرب المملكة أيضًا الإقليم الغربي، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من النطاق الجغرافي لمنطقة مكة المكرمة، ثم الإقليم الجنوبي الغربي، الذي يشمل المناطق الإدارية جنوب المملكة، وهي: مناطق عسير، الباحة، جازان، ونجران.
وفي النهايه :
تُظهر الدراسات الأثرية أن الاستيطان البشري في المملكة العربية السعودية يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، مما يجعلها منطقة ذات أهمية بالغة لفهم تطور الإنسان وانتشاره. من خلال تتبع آثار الإنسان القديم وتحليل المواقع الأثرية، يمكننا تكوين صورة أوضح عن الحياة في تلك العصور وكيف تطورت المجتمعات البشرية في هذه المنطقة. هل ستكشف الاكتشافات المستقبلية المزيد عن تاريخ الاستيطان البشري في هذه الأرض؟