الأذان في المسجد النبوي: نداء الوحدة والإيمان
الأذان في المسجد النبوي بالمدينة المنورة يمثل رمزًا حيًا للدعوة إلى الصلاة، حيث يصدح به المؤذنون، الذين يقومون بهذه المهمة الجليلة. لا يقتصر دورهم على رفع الأذان وإقامة الصلاة فحسب، بل يمتد ليشمل الترديد خلف الأئمة، والإعلان عن صلاة الجنائز، والتراويح، والتهجد في رمضان، بالإضافة إلى صلوات العيدين والاستسقاء والكسوف.
رفع الأذان من مكبرية المسجد النبوي
مكبرية المسجد النبوي هي الموقع الذي يرتفع منه صوت الحق، وهي عبارة عن دكة مربعة الشكل، تبعد حوالي خمسة أمتار عن المنبر، وتتميز بارتفاعها الذي تدعمه ثمانية أعمدة. هذه المكبرية، التي تبلغ مساحتها 5×4 أمتار، شهدت آخر تجديد لها في عام 1403هـ/1983م، وهي تطل على الروضة الشريفة ومحراب المسجد النبوي، لتضفي بذلك روحانية خاصة على الأذان.
إدارة شؤون الأئمة والمؤذنين: تنظيم وإشراف
كانت إدارة شؤون الأئمة والمؤذنين التابعة لرئاسة شؤون الحرمين تتولى مسؤولية الإشراف على الأذان في المسجد النبوي. بعد إنشاء الرئاسة الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، انتقلت هذه المسؤولية إليها. يشمل هذا الإشراف التأكد من جاهزية مكبرات الصوت قبل كل صلاة، واختبار أدائها، وتلبية احتياجات الأئمة والمؤذنين.
تاريخ الأذان: من النداء إلى التوحيد
في بداية بناء المسجد النبوي، لم يكن الأذان قد شُرع بعد، وكان الناس يُدعون إلى الصلاة بعبارة “الصلاة جامعة”. ومع تحول القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، بدأ نداء الأذان يتردد في أرجاء المدينة.
رؤيا الأذان: بداية الشرعية
تعود بداية الأذان إلى رؤيا مباركة تشارك فيها الصحابيان عبدالله بن زيد الخزرجي وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها رؤيا حق، وأمر بلال بن رباح، رضي الله عنه، بأن يؤذن بالصيغة المعروفة اليوم في جميع مساجد المسلمين.
من البوق إلى الأذان: رحلة البحث عن الكمال
في بداية الأمر، تبادل المسلمون الآراء حول كيفية جمع الناس للصلاة، فاقترح البعض استخدام البوق أو الناقوس. إلا أن عبدالله بن زيد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم برؤيا رآها، وفيها مر به رجل يحمل ناقوسًا وعلمه كلمات الأذان. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا بأن يؤذن بها، لأنه كان أندى صوتًا.
تاريخ مآذن المسجد النبوي: تطور عبر العصور
شهدت مآذن المسجد النبوي تطورًا ملحوظًا عبر التاريخ، حيث بنيت أول مئذنة في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، خلال عمارة الوليد بن عبدالملك، فوُضعت مئذنة في كل ركن من أركان المسجد.
من أربع إلى خمس: مراحل البناء والتوسع
اقتصر المسجد على ثلاث منارات في عهد سليمان بن عبدالملك، واستمرت حتى عام 580هـ/1184م. أضاف السلطان الأشرف قايتاباي مئذنة صغيرة بين باب السلام وباب الرحمة، وفي العهد العثماني، هُدمت المئذنة الشمالية الشرقية وبنيت مكانها مئذنة السليمانية. ومع توسعة السلطان عبدالمجيد، أضيفت مئذنة خامسة، ثم أزيلت في العمارة السعودية الأولى وبني مكانها منارة حديثة.
أسماء المآذن: دلالات تاريخية
تعددت أسماء مآذن المسجد النبوي، فالمنارة الشمالية الشرقية عُرفت بالسنجارية والسليمانية والعزيزية. أما المنارة الجنوبية الشرقية فتُعرف بالرئيسية، وهي المجاورة للقبة الخضراء. المنارة الجنوبية الغربية تُسمى منارة باب السلام، والغربية تُعرف بمنارة باب الرحمة.
وفي النهايه :
الأذان في المسجد النبوي ليس مجرد نداء للصلاة، بل هو رمز للإسلام والوحدة، وتذكير دائم بأهمية الصلاة في حياة المسلمين. تاريخه وتطور مآذنه يعكسان اهتمام المسلمين عبر العصور بهذا الصرح العظيم. فهل سيظل هذا النداء يصدح في سماء المدينة المنورة، شاهدًا على عظمة الإسلام وخلوده؟











