آبار حمى: جوهرة نجران التاريخية
آبار حمى هي مجموعة من الآبار الأثرية الواقعة في منطقة نجران، جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في قلب منطقة حمى الثقافية، المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. هذه الآبار محاطة بمنطقة غنية بالفنون الصخرية، تمتد على مساحة 557 كيلومتر مربع، وتضم أكثر من 550 لوحة فنية صخرية، تحتوي على مئات الآلاف من النقوش والرسومات التي تحكي قصصًا من الماضي.
موقع آبار حمى وأهميته التاريخية
تقع آبار حمى في موقع حمى التاريخي التابع لمحافظة ثار، على بعد 130 كيلومترًا شمال مدينة نجران. في العصور القديمة، كانت هذه الآبار محطة حيوية لتزويد القوافل التجارية القادمة من جنوب الجزيرة العربية والمتجهة نحو الشام ومصر وبلاد الرافدين. يعود تاريخ هذه الآبار إلى حوالي 3 آلاف عام، بينما تزخر المنطقة المحيطة بها بآثار ومعالم تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد، مما يعكس تاريخًا إنسانيًا عريقًا.
تتألف آبار حمى من ستة آبار رئيسية هي: أم نخلة، والقراين، والجناح، وسقيا، والحماطة، والحبيسة. معظم هذه الآبار محفورة في الصخور، وتحيط بها الكهوف والجبال من جميع الجهات باستثناء الجهة الشرقية. تنتشر حول آبار حمى حوالي 34 معلمًا وموقعًا أثريًا، تتراوح بين مساكن بدائية ومنشآت أثرية متنوعة.
تاريخ واكتشافات آبار حمى الأثرية
أسهمت الحضارات المتلاحقة التي مرت بالمنطقة في ترك إرث غني من الآثار والنقوش في مواقع مختلفة. تم اكتشاف حوالي 100 موقع يعكس الحركة الحضارية عبر العصور المختلفة. كشفت الاكتشافات الأثرية التي قامت بها فرق سعودية ودولية متخصصة عن حضارات تعود إلى العصر الحجري، وهو ما أكدته أعمال البعثة السعودية اليابانية بالتعاون مع جايكا في عام 2002، حيث تم تسجيل حوالي 90 نقشًا في مواقع مثل: حمى، والعريسة، والخشيبة، والمسماة، والنصلة العليا، وكوكب، وغيرها.
تمثل منطقة حمى الثقافية عمقًا تاريخيًا وحضاريًا كبيرًا، إذ تقع في منطقة جبلية قاحلة على أحد أقدم طرق القوافل التي كانت تعبر شبه الجزيرة العربية. تضم المنطقة مجموعة كبيرة من الصور المنقوشة على الصخور، والتي تصور الصيد والحيوانات والنباتات وأساليب الحياة لثقافة استمرت لمدة 7 آلاف سنة.
خلال مرور المسافرين والجيوش، تُرِكت آثار على شكل كتابات ونقوش على الصخور بخطوط متنوعة، مثل خط المسند، والآرامي-النبطي، والكتابة العربية الجنوبية، والخط الثمودي، والكتابة اليونانية والعربية. لا تزال هناك آثار لم يتم التنقيب عنها بعد، وتتكون من أرجام وهياكل حجرية ومدافن وأدوات حجرية مبعثرة وآبار قديمة.
لا تزال آبار حمى تحتفظ بمكانتها التاريخية كمورد مائي يلتقي عنده تاريخ الحضارات الإنسانية، ولا تزال تفيض بمياهها العذبة، تمامًا كما كانت في الماضي محطة لتزويد القوافل التي تنقل البخور والبهارات والمر من جنوب الجزيرة العربية إلى مناطق مختلفة.
النقوش الأثرية في منطقة آبار حمى
تعتبر منطقة آبار حمى من أبرز المواقع التي تحتوي على الرسوم والنقوش الصخرية في المملكة العربية السعودية بشكل عام، وفي منطقة نجران بشكل خاص. تحتضن المنطقة أيضًا مواقع أثرية أخرى مثل جبل صيدح، وجبل حمى، وموقع عان جمل، وشسعا، والكوكب، التي تزخر بالنقوش والرسوم التي تمثل أولى محاولات الإنسان في كتابة الأبجدية القديمة.
عكست النقوش والرسوم الصخرية محاولات التواصل الإنساني من خلال اللغة وكتابة الأبجدية المعروفة بالخط المسند الجنوبي، الذي ساهمت التجارة في انتشاره. كان المسافرون على طريق القوافل يسجلون ذكرياتهم ورسومهم بالخطين الثمودي والمسند الجنوبي على امتداد الطريق، وحول مصبات المياه، وفي الكهوف، وعلى سفوح الجبال بالقرب من آبار حمى.
منطقة حمى في قائمة اليونسكو للتراث العالمي
في عام 2021، نجحت المملكة العربية السعودية في تسجيل منطقة حمى الثقافية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وذلك خلال اجتماعات الدورة الـ44 للجنة التراث العالمي في مدينة فوزهو بالصين. بذلك، أصبحت حمى سادس موقع سعودي ينضم إلى هذه القائمة العالمية المرموقة، بالإضافة إلى المواقع الخمسة الأخرى المسجلة سابقًا، وهي: موقع الحِجر، وحي الطريف بالدرعية التاريخية، وجدة التاريخية، ومواقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل، وواحة الأحساء. تبع ذلك انضمام محمية عروق بني معارض في عام 2023 كأول موقع للتراث العالمي الطبيعي في المملكة، وفي عام 2025، تم تسجيل ‘المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية’ جنوب منطقة الرياض، كموقع ثقافي ذي قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني.











