مسجد القبلتين: معلم تاريخي يشهد على تحول عظيم في الإسلام
مسجد القبلتين، أحد أبرز المساجد التاريخية والأثرية في المدينة المنورة، يحمل في طياته ذكرى نزول الوحي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. في منتصف شهر شعبان من العام الثاني للهجرة النبوية، تلقى النبي الأمر بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، ليصبح هذا المسجد شاهدًا على هذا التحول العظيم.
حادثة تحويل القبلة وأثرها
تعود قصة تحويل القبلة إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم بشر من بني سلمة، حيث قدم لها العزاء. وبينما كان النبي يؤدي صلاة الظهر، وبعد إتمام ركعتين، نزل عليه الوحي بالتوجه إلى الكعبة المشرفة. وقد وثق القرآن الكريم هذه اللحظة التاريخية في الآية الكريمة: “قد نرى تقلُّب وجهك في السماء فلنُوَلِّيَنَّكَ قبلة ترضاها فوَلِّ وجهَك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره” (البقرة: 144).
العمارة والبناء الأول
تأسيس المسجد في عهد النبوة
في السنة الثانية للهجرة، شهد المسجد تأسيسه الأول على يد بني سواد بن غنم بن كعب. استخدم في بنائه جذوع النخل وسعفه، ليصبح أحد المساجد الهامة في التاريخ الإسلامي. يستمد المسجد أهميته من حادثة تحويل القبلة، وهو الاسم الذي لازمه منذ عهد النبوة.
موقع المسجد وأهميته
الموقع الجغرافي المميز
يقع مسجد القبلتين على طريق خالد بن الوليد في المدينة المنورة، على بعد حوالي 4 كيلومترات من المسجد النبوي. بني المسجد قديمًا على هضبة مرتفعة من حرة الوبرة، وكان يشرف على جزء من وادي العقيق. كان المسجد ينقسم إلى قسمين: قسم داخلي يضم محرابًا متجهًا نحو الكعبة المشرفة، وقسم خارجي يضم محرابًا متجهًا نحو الشام. وقد بني كلا المحرابين بالجير والحجارة المنحوتة.
ترميمات وإصلاحات عبر التاريخ
جهود التجديد المستمرة
شهد مسجد القبلتين العديد من الترميمات والإصلاحات على مر العصور. من أبرز هذه الترميمات، تلك التي أمر بها عمر بن عبدالعزيز عام 87هـ/706م، حيث اهتم بتجديد المساجد التي صلى بها النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد مرور حوالي 800 عام، قام شاهين الجمالي بتجديد المسجد عام 893هـ/1488م، لتتوالى بعدها التوسعات.
التوسعات في العهد السعودي
توسعة الملك المؤسس
في العهد السعودي، كانت أول توسعة لمسجد القبلتين في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1350هـ/1931م. أمر الملك بتجديد عمارة المسجد، وبناء سور حوله، وإنشاء مئذنة خاصة به، وتوسيع مساحته لتصل إلى 425 مترًا مربعًا.
إعادة البناء في عهد الملك فهد
أعيد بناء المسجد في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1408هـ/1987م، لتصل مساحته إلى حوالي 3920 مترًا مربعًا. كما شهد المسجد عدة إصلاحات وترميمات في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، بالإضافة إلى التجديد والعناية التي حظي بها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
مشروع مركز القبلتين الحضاري
تطوير شامل للمنطقة
يخضع مسجد القبلتين لأعمال تطوير ضمن مشروع مركز القبلتين الحضاري، الذي تشرف عليه هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة. يمتد المشروع على مساحة 7500 متر مربع، ويشمل إنشاء ساحات للمسجد، وتنظيم شبكة الطرق والحركة، وإنشاء مواقف للسيارات. كما يتضمن المشروع توسعة المسجد لاستيعاب 6260 مصليًا.
وفي النهايه:
مسجد القبلتين يظل شاهدًا حيًا على لحظة فارقة في تاريخ الإسلام، حيث تم تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. هذه الأهمية التاريخية تجعل المسجد محط اهتمام المسلمين في جميع أنحاء العالم. ومع التطورات المستمرة التي يشهدها المسجد والمنطقة المحيطة به، يظل السؤال قائمًا: كيف يمكن الحفاظ على هذا الإرث التاريخي مع تلبية احتياجات الزوار والمصلين في العصر الحديث؟









