قطار المشاعر المقدسة: حلول نقل مبتكرة للحجاج
قطار المشاعر المقدسة، نظام النقل الكهربائي الترددي، يمثل حلاً عصرياً لتسهيل حركة الحجاج بين المشاعر المقدسة في مكة المكرمة. يربط هذا القطار عرفات ومزدلفة ومنى وصولاً إلى جسر الجمرات، ويعمل على مدار الأسبوع خلال موسم الحج. منذ انطلاقه في عام 1431هـ (2010م)، استطاع هذا المشروع استيعاب ما يصل إلى 350 ألف شخص. وفي عام 2019م، تولت الشركة السعودية للخطوط الحديدية “سار” مسؤولية إدارة وتشغيل هذا الخط بقرار من مجلس الوزراء.
البنية التحتية لسكة حديد قطار المشاعر
أنجزت الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية السعودية المحدودة الأعمال الإنشائية لقطار المشاعر المقدسة في غضون عامين تقريبًا. يبلغ طول سكة الحديد الخاصة بالقطار 18 كيلومترًا، وتضم 17 قطارًا تعمل جميعها بأنظمة تشغيل آلية. يتكون كل قطار من 12 عربة، بإجمالي 204 عربات، تستوعب كل عربة 300 راكب، وتصل سرعة القطار إلى 80 كيلومترًا في الساعة. يختصر القطار المسافة بين منى وعرفات إلى 20 دقيقة تقريبًا، حيث تبلغ سعة القطار الواحد ثلاثة آلاف راكب، في حين تصل الطاقة الاستيعابية للقطارات إلى 72 ألف راكب في الساعة.
محطات قطار المشاعر: تصميم يراعي راحة الحجاج
تتوزع محطات قطار المشاعر المقدسة على مشاعر عرفات، ومزدلفة، ومنى، بواقع ثلاث محطات في كل مشعر. تتميز هذه المحطات بارتفاعها عن الأرض، وبطول يبلغ 300 متر لكل منها، وتجهيزها بمنحدرات، ومصاعد، وسلالم عادية وكهربائية لتسهيل حركة الحجاج. كما تتضمن المحطات بوابات أوتوماتيكية تعمل بتقنية الاستشعار للتعرف على حاملي التذاكر، مما يضمن تنظيم الدخول والخروج.
يمر القطار بثلاث محطات في عرفات، ثم بثلاث أخرى في مزدلفة، قبل أن يتوقف في المحطة الأولى في بداية منى، ثم في وسطها، وصولًا إلى المحطة الأخيرة في الطابق الرابع من منشأة جسر الجمرات. تم تصميم المحطات مع الأخذ في الاعتبار توفير 60 بابًا للدخول والخروج لكل جانب، لتسهيل حركة الحجاج أثناء رحلتهم.
مشاريع مساندة لقطار المشاعر: تكامل الخدمات
يرتبط مشروع قطار المشاعر المقدسة بعدد من المشاريع المساندة التي تهدف إلى خدمة الحجاج وتيسير أداء المناسك. تشمل هذه المشاريع تظليل الممرات والمنحدرات المخصصة للمشاة، وربط حي العزيزية بمنشأة الجمرات عبر أنفاق ومظلات، وذلك لحماية الحجاج من أشعة الشمس والعوامل الجوية الأخرى.
تنظيم نقل الحجاج: إدارة فعالة للحشود
تتولى وزارة الحج والعمرة مسؤولية تحديد عدد الحجاج الذين يتم نقلهم عبر قطار المشاعر المقدسة، وتخصيص أساور ملونة لهم لتحديد محطات الانطلاق والوصول، بهدف تحقيق التنظيم والترتيب. كما يتم تخصيص تذاكر شاملة لجميع المحطات للعاملين في خدمة الحجاج، لتسهيل تنقلهم وتوفير الخدمات اللازمة للمخيمات خلال أيام الحج. بالإضافة إلى ذلك، يستفيد رجال الأمن والموظفون الرسميون من خدمات القطار من خلال التنسيق بين إداراتهم ووزارة الحج والعمرة، والجهات المشرفة والمشغلة للمحطات. يتم توجيه الحشود إلى المحطات عبر مسارات محددة إلى مناطق الانتظار أسفل المحطات، والتي تستوعب أكثر من 3000 حاج.
ضبط الحشود: تقنيات لضمان السلامة
يساهم مشروع ضبط الحشود في قطار المشاعر المقدسة في تنظيم حركة الحجاج وتسهيلها في المسارات المؤدية إلى بوابات المحطات، بالإضافة إلى فرز حاملي التذاكر على البوابات. يهدف المشروع أيضًا إلى ضبط وتنظيم حركة الحجاج أسفل المحطات، وتسهيل صعودهم إلى الأرصفة عبر المصاعد والسلالم، وحماية أسوار وبوابات المحطات، ومنع الافتراش داخلها.
أطلقت هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة تطبيقًا ذكيًا لربط الحجاج بمركز السيطرة على الحشود في القطار، بهدف تنظيم تنقلاتهم من المخيمات حتى الوصول إلى القطار، وفقًا لجداول زمنية محددة. يمثل التطبيق حلقة وصل بين قادة الأفواج وغرفة التحكم، ويتيح للجهات المعنية الاستعداد للتفويج بناءً على الجدول الزمني المحدد لكل فوج. وتتعاقد الخطوط الحديدية السعودية “سار” مع نحو 7500 موظف موسمي يتحدثون لغات عدة، بما في ذلك الإنجليزية، والتركية، والأردية، والإندونيسية، والنيجيرية، بالإضافة إلى اللغة العربية، لإدارة الحشود داخل المحطات.
نظام التشغيل: كفاءة وموثوقية
يعمل قطار المشاعر المقدسة وفقًا للنظام الترددي (المترو)، حيث يتم تنظيم حركة القطار بناءً على الاحتياج اليومي في موسم الحج، ووفقًا للنسك المفروضة لكل يوم. يتم تحديد مواقع مرور وتوقف القطار من خلال خمس حركات تبدأ من اليوم السابع من ذي الحجة حتى نهاية أيام التشريق، وذلك عبر مركز التشغيل والتحكم بالمقر الرئيس لإدارة القطار. بعد نهاية كل موسم حج، يتم تقييم الأعمال ومراجعة الخطط للموسم المقبل، بالإضافة إلى صيانة القطارات والخطوط الحديدية وتطوير الأنظمة التشغيلية. يتم تشغيل القطار تجريبيًا لمدة 60 يومًا في شهري شوال وذي القعدة، ثم يتم إجراء محاكاة كاملة لحركات الحج بهدف تقييم جاهزية الأنظمة والمعدات للتشغيل الفعلي.
مركز التحكم: إدارة متكاملة للطوارئ
يستخدم مركز التحكم والتشغيل تقنيات متقدمة تساهم في تحرك القطار بمعايير أمن وسلامة عالية، للحيلولة دون وقوع أخطار أو حوادث. يعتبر المركز مسؤولاً عن جميع حالات الطوارئ الخاصة في المحطات، ويتدخل بسرعة عند الحاجة. يوجه المركز قائد القطار في جميع الاتجاهات للحركة داخل المشاعر، بالتنسيق مع الجهات المعنية والجهات الخارجية، من خلال مراقبة المحطات عبر 1500 كاميرا موزعة في جميع المحطات. في حالات الطوارئ، يوجه مركز التحكم والتشغيل فريق التدخل السريع عند ورود البلاغ من المحطة أو من قائد القطار، لتقديم الدعم المباشر في المحطات قبل وصول القطار، حتى لا تتأثر الرحلات.
أرقام وإحصائيات: خدمة متميزة للحجاج
نقل قطار المشاعر المقدسة خلال موسم حج 1444هـ (2023م) أكثر من 2.13 مليون راكب بين محطات منى وعرفات ومزدلفة، خلال سبعة أيام، وذلك على متن 2208 رحلة ترددية.
قطار المشاعر: صديق للبيئة
يساهم قطار المشاعر المقدسة في تقليل الازدحام المروري وخفض الانبعاثات الكربونية، حيث أزاح نحو 50 ألف حافلة ركاب من الطرق. كما أنه يعمل بالطاقة الكهربائية، مما يجعله صديقًا للبيئة ويحافظ على الصحة العامة للحجاج.
جوائز وتكريم: تقدير عالمي
حصل مشروع قطار المشاعر المقدسة على تقدير عالمي، حيث اختير من قبل منظمة الاتحاد الدولي للاستشارات الهندسية “فيديك” كواحد من أفضل 24 مشروعًا على مستوى العالم خلال المائة عام الماضية، وذلك لتميزه وإسهامه في تحسين ظروف الحياة، وتخفيف الزحام، والمحافظة على نظافة البيئة. كما فاز المشروع بجائزة فرانس إيدل مان أوارد في الولايات المتحدة الأمريكية، لأفضل البحوث التطبيقية والتشغيلية.
وفي النهاية:
يمثل قطار المشاعر المقدسة نقلة نوعية في إدارة الحشود وتسهيل حركة الحجاج، فهل سيشهد المستقبل تطويرات أخرى في هذا المشروع لتعزيز كفاءته واستدامته؟
