قرود البابون: دراسة شاملة لتوزيعها، سلوكها، وجهود الحماية في السعودية

تعتبر قرود البابون جزءًا من عائلة السعادين، وتتميز بانتشارها الواسع في قارتي أفريقيا وآسيا. وتجدر الإشارة إلى أن نوعًا واحدًا فقط من هذه القرود يستوطن منطقة غرب وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية، ويُعتقد أنه وصل إليها قبل تكوين منخفض البحر الأحمر. وتحديدًا، تنتشر هذه القرود في المناطق الغربية والجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية.

خصائص قرود البابون

تنتمي قرود البابون إلى عائلة السعادين التي تضم أنواعًا متنوعة، بما في ذلك القرود ذات الأذناب الطويلة والقصيرة، والوجوه المستديرة، والأيدي المتكيفة مع المشي والتسلق، بالإضافة إلى منطقة العجز الملونة. يُعرف قرد البابون بأسماء متعددة في الثقافة المحلية، مثل الرباح، والحودل، والقردح، والهبار، والربح، كما يُكنى بأبو خالد، وأبو ربة، وأبو فشة.

الحياة الاجتماعية لقرد البابون

تعيش قرود البابون في جماعات كبيرة يتراوح عددها بين 50 و100 فرد، وقد يصل تعدادها إلى عدة مئات في المناطق الغنية بالمصادر الغذائية، كالغابات، بينما يقل هذا العدد في البيئات الفقيرة. يتكون القطيع عادةً من ذكر مسيطر وخمس إناث مع صغارهن. توفر الحياة الجماعية لقرد البابون الحماية من الأعداء، وتسهل عملية التزاوج، بالإضافة إلى تعلم المهارات الضرورية للحصول على الغذاء.

المظهر والسلوك

يتميز ذكر قرد البابون بحجمه الأكبر مقارنةً بالأنثى، ويمتلك عرفًا فضيًا يغطي مؤخرة الرأس والعنق والأكتاف، ما يمنحه مظهرًا مهيبًا. كما يتميز بأنياب كبيرة يستخدمها في الدفاع والهجوم، ووجه خالٍ من الشعر وعينين صغيرتين متقاربتين. يطلق عليه بعض أهل البادية اسم “الكبش”. يتميز ذيل قرد البابون بالطول وينتهي بخصلة شعرية يرفعها أثناء المشي.

مكانة الأم والصغار في القطيع

تحتل الأم المرضع مكانة مرموقة بين أفراد القطيع، بينما يحظى الصغار باهتمام وعطف جميع أفراد القطيع، حيث يلعبون معهم ويهتمون بسلامتهم. أما الذكور البالغة، فتواجه تحديًا من الذكر المسيطر، وعادةً ما تضطر إلى مغادرة القطيع.

تكاثر قرود البابون

تتكاثر قرود البابون على مدار العام، وتمر الإناث بدورة نزوية شهرية تكون خلالها في حالة شبق لمدة أسبوع، باستثناء فترات الحمل والإرضاع. تستمر فترة الحمل حوالي ستة أشهر، تلد بعدها الأنثى صغيرًا أو اثنين. يتعلق المولود بفرو أمه بعد الولادة، مما يمكنه من الحركة المستمرة مع القطيع. يولد الصغار بجلد وردي وفرو أسود وأذنين كبيرتين، وتبلغ الإناث خلال أربع سنوات، بينما يبلغ الذكور خلال السنة الخامسة، ويعيش البابون حوالي 40 عامًا.

النظام الغذائي لقرد البابون

تتغذى قرود البابون على مجموعة متنوعة من الأطعمة النباتية والحيوانية، فهي تأكل أوراق النباتات وثمارها، مثل التوت، وأوراق أشجار السنط وصمغها، والنبق، والزهور البرية، وثمر أشجار السمر والسيال، بالإضافة إلى الزواحف، والخنافس، والنمل والفراشات. وعند حلول الظلام، تلجأ القرود إلى أماكن مبيت آمنة توفر الحماية من المفترسات كالنمور والذئاب والضباع، وتكون عادةً في مناطق صعبة الوصول مثل المنحدرات الصخرية العالية. قد تجتمع عدة قطعان للمبيت في مكان واحد، ثم تنتشر في الأودية عند طلوع الشمس.

انتشار قرود البابون في السعودية

تنتشر قرود البابون على نطاق واسع في مناطق غربي وجنوب غربي المملكة العربية السعودية، بما في ذلك مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والباحة، وعسير، وجازان، ونجران. وقدّر المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في عام 1445هـ/2025م وجود أكثر من 500 بؤرة في هذه المناطق، تضم أكثر من 41 ألف قرد بابون مستأنس، وذلك بعد رصدها باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

برنامج معالجة تزايد أعداد قرود البابون

بدأ المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية، في عام 2022م، برنامجًا يمتد لثماني سنوات لمعالجة تزايد أعداد قرود البابون، والتي شهدت زيادة كبيرة منذ ثمانينات القرن الماضي. تهدف هذه المبادرة إلى الحد من الأضرار البيئية والاجتماعية والاقتصادية والصحية الناجمة عن هذه الزيادة، والتي تشمل افتراس الكائنات الأخرى، والإخلال بالتوازن البيئي، وتلحية الأشجار، ونقل الأمراض، ومهاجمة المزارع، والإضرار بالممتلكات، ودخول المناطق السكنية، بالإضافة إلى المخاوف من سلوكيات قطعان القرود التي تروع الأطفال والأهالي، وتشكل خطرًا على الطرق السريعة والحدائق العامة، وتؤثر سلبًا على الصورة الذهنية للوجهات السياحية.

أسباب تزايد أعداد قرود البابون

يؤكد المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أن وجود قرود البابون في البيئة بشكل متوازن أمر صحي، إلا أنه يسعى إلى تحقيق التوازن البيئي والطبيعي. أشارت الدراسات إلى أن من بين أسباب ازدياد أعداد قرود البابون السائبة هو إطعامها المباشر من قبل المارة والسياح، أو غير المباشر عبر حاويات النفايات والمكبات. كما يتسبب إطعامها في نثر المخلفات الغذائية وتراكم النفايات، بالإضافة إلى تناقص أعداد مفترسات هذه القرود أو غيابها، ونقص الغذاء الطبيعي في موائلها بسبب الجفاف، وتغير سلوكها من برية إلى مستأنسة، وتغير سلوك التكاثر داخل القطيع.

أهداف البرنامج

يهدف برنامج معالجة تزايد أعداد قرود البابون إلى استعادة النظم البيئية وازدهارها واستدامتها، وحماية التنوع الأحيائي، وتحقيق التوازن البيئي، والارتقاء بالوعي المجتمعي تجاه القضايا البيئية.

مراحل برنامج المعالجة

يرتكز برنامج معالجة تزايد أعداد قرود البابون على إيجاد معالجة جذرية مبنية على أسس علمية تتضمن حلولًا شاملة ومستدامة.

المرحلة الأولى

شملت المرحلة الأولى من البرنامج، التي نفذت بمشاركة جامعات وخبرات محلية ودولية، دراسة وتقييم وحصر الأعداد والبؤر، وإعداد خرائط للغطاء النباتي والمائي والحراري للمناطق المتضررة، وفحص الأمراض المشتركة لعينات من قرود البابون، ووضع خط الأساس، واستعراض أفضل الممارسات العالمية، وتقييم الموائل الطبيعية، وتحديد الأمراض المشتركة بين البابون والإنسان.

المرحلة الثانية

تضمنت المرحلة الثانية معالجة بؤر الانتشار في المناطق المتضررة، مثل المدن الرئيسة، والقرى والمناطق الزراعية، والبؤر على الطرق العامة، ومراقبة المناطق المعالجة والاستجابة للبلاغات. بدأت هذه المرحلة في مايو 2023م وامتدت إلى ديسمبر 2026م، وعالجت أكثر من 400 بؤرة تضم نحو 30 ألف قرد بابون. بدأت عمليات المعالجة من مناطق المشاعر المقدسة، والتأكد من خلوها من القرود كليًا، ومعالجة المشكلات الناجمة عنها في هذه المناطق. كما تم وضع مئات اللوحات الإرشادية، وعشرات كاميرات المراقبة، وتنفيذ حملات توعية على مستوى السعودية، وإنشاء تطبيق إلكتروني للبابون. واستمرت المراقبة، ومكافحة الأسباب، وإعادة التوازن البيئي، وتنظيم لقاءات دورية مع السكان والمزارعين في المناطق المتضررة، وتقويم وضع حاويات النفايات والمرادم بالتنسيق مع الأمانات والبلديات. وشملت هذه المرحلة قياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي لمشروع المعالجات المتكاملة لقرود البابون، من خلال جمع استبيانات من المواطنين في المناطق المتضررة وتحليلها باستخدام نماذج متطورة، لقياس مستوى الوعي بأخطار إطعام هذه الكائنات، وانعكاس النتائج على البرامج التوعوية، واستصدار نظام لحظر إطعام القرود، وفرض غرامة مالية على المخالفين قدرها 500 ريال.

الحملات التوعوية

أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بالتعاون مع جهات حكومية، حملة إعلامية تحت وسم “أكثر من مشكلة” لحشد الجهود في التوعية بالمشكلات التي تسببها قرود البابون، ودعا إلى عدم إطعامها، والتخلص من النفايات في الأماكن المخصصة لها، وعدم تربية القرود في المنازل، ومنع تكييفها للعيش في غير بيئتها الطبيعية.

المرحلة الثالثة

تمتد المرحلة الثالثة إلى عام 2030م، لإيجاد استدامة المعالجات من خلال إنشاء وحدة الاستدامة لضمان استمرار برامج التوعية والرقابة المستمرة والتنسيق مع إمارات وأمانات المناطق والجهات المعنية، وتطوير آليات جديدة لاستدامة الحلول.

وفي النهايه :

تعتبر قرود البابون جزءًا لا يتجزأ من التنوع البيولوجي في المملكة العربية السعودية، إلا أن تزايد أعدادها يشكل تحديًا بيئيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. من خلال برنامج شامل وطويل الأمد، تسعى الجهات المعنية إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على هذه الكائنات الفطرية وتقليل الأضرار الناجمة عن انتشارها المتزايد. يبقى السؤال: كيف يمكن للمجتمع أن يساهم بفعالية في تحقيق أهداف هذا البرنامج وضمان استدامة الحلول المتخذة؟

مقالات أخرى من القسم

الطبيعة و العلوم

مركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية