سدانة الكعبة المشرفة: تاريخ عريق وخدمة مستمرة
سدانة الكعبة هي خدمة جليلة وشرف عظيم، تعني العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها كافة. خصّ بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بني طلحة، المعروفين اليوم بآل الشيبي. تعتمد الدولة سادنًا من هذه العائلة، يُدعى “سادن الكعبة”، ويعاونه نائب واحد. يتولى السادن سنويًا مهمة استلام كسوة الكعبة في يوم عيد الأضحى المبارك، وذلك قبل استبدالها في غرة محرم من كل عام.
مفهوم سدانة الكعبة وأبعادها
مصطلح سدانة الكعبة يشير إلى خدمة بيت الله الحرام والعناية به، وتُعرف أيضًا بـ”الحجابة”. يُطلق على القائمين بهذه المهمة اسم “السَّدَنَة”، وهم الذين يحجبون الكعبة عن عموم الناس، ويختصون بحمل مفتاح الكعبة عند فتحها وإغلاقها في جميع المناسبات المتعلقة بغسلها أو زيارتها.
تاريخ سدانة الكعبة عبر العصور
البدايات الأولى مع النبي إسماعيل
بعد بناء الكعبة، كانت السدانة في يد النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، الذي رفع قواعد البيت الحرام مع والده إبراهيم. بقي إسماعيل جوار الكعبة يعتني بها، وانتقلت السدانة من بعده إلى أبنائه لفترة طويلة، قبل أن يستولي عليها أخوالهم من قبيلة جرهم، ثم انتزعت منهم لاحقًا من قبل قبيلة خزاعة.
استعادة قصي بن كلاب للسدانة
استرد قصي بن كلاب، الجد الرابع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، سدانة الكعبة، وأصبحت من بعده في ولده الأكبر عبدالدار وأبنائه. استمرت السدانة في ذريته حتى وصلت إلى عثمان بن طلحة الذي توفي دون ولد، فانتقلت إلى ابن عمه شيبة بن عثمان، ولا تزال في يد أولاده حتى الآن.
تكريم النبي محمد واستمرار السدانة في بني شيبة
بعد فتح مكة، أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على بقاء سدانة الكعبة في بني طلحة، وأخبر بأنه لا ينتزعها منهم إلا ظالم. ومنذ ذلك الحين، بقيت السدانة في هذه العائلة الكريمة. أولت الدولة السعودية اهتمامًا كبيرًا بأمور السدانة، ووفرت كل ما يلزم للعناية بالكعبة المشرفة. ولا يزال مفتاح الكعبة في عهدتهم، يحضرون لفتحها وإغلاقها في مناسبات غسلها أو زيارتها، والإشراف على تبديل كسوتها في غرة محرم من كل عام.
آلية سدانة الكعبة المشرفة في العصر الحديث
يوضع مفتاح باب الكعبة المشرفة لدى أكبر السدنة سنًّا، وهو السادن الأول. عند فتح الكعبة، يتم إبلاغ كبار السدنة بوقت كافٍ ليتمكنوا من الحضور جميعًا، إن أمكن، أو بعضهم، ليقوموا بغسل الكعبة، برفقة ولي الأمر أو من ينيبه، والأمراء والضيوف.
تنظيم فتح الكعبة وتقييد الدخول
حتى القرن التاسع عشر، كانت الكعبة تفتح في أيام محددة من السنة، يومًا للنساء ويومًا للرجال، كل على حدة. ولكن، لم تعد تفتح الآن للدخول العام، منعًا للازدحام، بعد أن بلغ الحجاج والمعتمرون أعدادًا كبيرة تصل إلى أكثر من مئة ألف في صحن المطاف في كل ساعة، مما صعّب تنظيم دخولهم وخروجهم.
استبدال كسوة الكعبة في غرة محرم
في 5 ذي الحجة 1443هـ الموافق 4 يوليو 2022م، صدر توجيه سامٍ بأن يتم تسليم كسوة الكعبة المشرفة لكبير سدنة بيت الله الحرام في يوم عيد الأضحى المبارك، الموافق العاشر من شهر ذي الحجة، وأن يكون موعد استبدالها في غرة محرم من كل عام، بعد أن كان موعد استبدالها في صباح يوم عرفة من كل عام.
وفي النهايه :
تظل سدانة الكعبة رمزًا عريقًا للعناية ببيت الله الحرام، وشرفًا خصّ به النبي صلى الله عليه وسلم عائلة بني شيبة. ومع التطورات الحديثة، استمرت هذه الخدمة الجليلة مع الحفاظ على قدسيتها وأهميتها، فهل ستشهد آلية سدانة الكعبة تغييرات مستقبلية تواكب تزايد أعداد الزوار والمعتمرين، مع الحفاظ على التقاليد العريقة؟






