تطوير الدرعية التاريخية: رؤية متكاملة لإحياء عاصمة الدولة السعودية الأولى
في قلب المملكة العربية السعودية، يبرز برنامج تطوير الدرعية التاريخية كمشروع وطني طموح، يهدف إلى ترميم وإعادة إعمار الدرعية التاريخية، العاصمة الأولى للدولة السعودية. هذا المشروع الضخم، الذي يندرج ضمن برامج الهيئة الملكية لمدينة الرياض، يسعى إلى تحويل الدرعية إلى واحة ثقافية وسياحية متكاملة، تستقطب الزوار من كل حدب وصوب.
تأسيس البرنامج وأهدافه
تجسدت الانطلاقة الرسمية لبرنامج تطوير الدرعية التاريخية بصدور أمر سامٍ كريم في 17 جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 7 أكتوبر 1998م. هذا الأمر السامي نص على تشكيل لجنة عليا تتولى مسؤولية تطوير الدرعية، برئاسة رئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض (والتي تعرف حاليًا بالهيئة الملكية لمدينة الرياض)، وعضوية نخبة من ممثلي الجهات الحكومية. تم تكليف الهيئة بتنفيذ خطط البرنامج الطموح، بالتعاون الوثيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًا) ومحافظ الدرعية، لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.
رؤية 2030 ومشروع بوابة الدرعية
في عام 1441هـ الموافق 2019م، أطلقت رؤية السعودية 2030 مشروعًا رائدًا تحت مسمى مشروع تطوير بوابة الدرعية. يهدف هذا المشروع الطموح إلى استقطاب ما يقارب 27 مليون زائر محلي ودولي بحلول عام 2030م، ما يجعله دعمًا قويًا للاستراتيجية الوطنية للسياحة، التي تطمح إلى استضافة 100 مليون سائح من مختلف أنحاء العالم في المملكة بحلول عام 2030م. حظي المشروع برعاية كريمة وتدشين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بحضور ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، مما يؤكد الأهمية الوطنية لهذا المشروع.
الأهمية التاريخية والثقافية للدرعية
تكتسب الدرعية التاريخية أهمية استثنائية، فهي ليست مجرد مدينة قديمة، بل هي رمز ثقافي وتاريخي وسياسي عريق. تحتضن الدرعية مواقع تراثية وأثرية تعود إلى 300 عام، حيث كانت مركز الحكم وعاصمة الدولة السعودية الأولى، ومنها انطلقت الأسس التي قامت عليها الدولة.
ركائز التطوير
يقوم برنامج تطوير الدرعية التاريخية على عدة ركائز أساسية، في مقدمتها المحافظة على الخصائص التاريخية والعمرانية للدرعية، التي تتميز بـ العمارة النجدية الفريدة. تتجلى هذه العمارة في تصاميم القصور والمباني التي تعكس هوية المكان. بالإضافة إلى ذلك، يهدف البرنامج إلى تحقيق التنمية المستدامة، مع مراعاة المقومات البيئية والطبيعية، وتشجيع الاستثمار الخاص.
استراتيجية التطوير
تتبنى استراتيجية برنامج تطوير الدرعية التاريخية تحفيز الاستثمارات الخاصة، وتحويل المناطق الأثرية والتراثية إلى مركز ثقافي وحضاري على المستوى الوطني. كما تهدف إلى جعل الأحياء القديمة نواةً للتطوير العمراني والثقافي، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال الحفاظ على البيئة الطبيعية للمواقع التاريخية.
مرتكزات البرنامج
يرتكز البرنامج على الحفاظ على البنية العمرانية للدرعية، وتوظيفها لتكون مقرًا لأنشطة متنوعة تخدم المنطقة الأثرية. كما يهدف إلى توفير مقومات تنموية في الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتشجيع الحرف اليدوية، وتطوير تقنيات البناء التقليدية، ودعم السياحة من الناحية الاستثمارية.
مراحل التنفيذ
تعتمد خطة البرنامج على مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأساسية والمرحلة التكميلية. تشمل المرحلة الأساسية ثلاثة مشاريع رئيسة: مشروع تطوير حي الطريف، ومشروع تطوير حي البجيري، ومشروع تطوير شبكة الطرق والمرافق العامة. تتولى الهيئة الملكية لمدينة الرياض أعمال التخطيط والتنفيذ والتشغيل والصيانة، بينما تتولى وزارة السياحة تشغيل وإدارة حي الطريف، واستقطاب الاستثمارات السياحية والاقتصادية.
مشروع تطوير حي الطريف
يعد حي الطريف من أهم المعالم الأثرية في الدرعية التاريخية، حيث يضم المباني والقصور التاريخية التي كانت مسكنًا لأئمة الدولة السعودية الأولى. يهدف تطوير الحي إلى إبرازه كموقع أثري عالمي، وقد تم تسجيله في منظمة اليونسكو في عام 2010. تشمل مراحل تطوير الحي بناء متاحف متنوعة، مثل متحف قصر سلوى، ومتحف الحياة الاجتماعية، ومتحف الخيل العربية، والمتحف الحربي، ومتحف التجارة وبيت المال، ومتحف العمارة التقليدية.
مشاريع التطوير في حي الطريف
يشمل مشروع تطوير حي الطريف بناء مباني إدارية، مثل مركز استقبال الزوار ومركز توثيق تاريخ الدرعية، وترميم جامع الإمام محمد بن سعود الأثري. كما يشمل ترميم وتهيئة بعض المباني القديمة لتكون مقرًا للسوق التراثي ومجمعًا للمطاعم، وربط جميع الأنظمة بشبكة معلومات موحدة، وتقديم عروض للصوت والضوء، بالإضافة إلى عروض الوسائط المتعددة التي تحكي قصة الدولة السعودية الأولى. تشمل أعمال التطوير أيضًا تنسيق الساحات العامة، وأعمال الإضاءة، ورصف الطرق والممرات، وترميم المباني الطينية.
مشروع تطوير حي البجيري
يقع حي البجيري على الجهة الشرقية لوادي حنيفة، مقابلًا لحي الطريف. كان الحي سكنًا للشيخ محمد بن عبدالوهاب وأسرته، بالإضافة إلى طلبة العلم. يشمل مشروع تطوير حي البجيري إنشاء مؤسسات ومنشآت حديثة تبرز مكانة الحي التاريخية، مثل مؤسسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الثقافية، التي تختص بالبحث العلمي في الدعوة الإسلامية، وتطوير مسجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومسجد الظويهرة، وتطوير متنزه الدرعية، وتطوير ساحة البجيري.
افتتاح مشروع تطوير حي البجيري
افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مشروع تطوير حي البجيري في عام 2015، وتجول في الحي للاطلاع على تفاصيل المشروع، ووضع حجر الأساس لفندق حي سمحان التراثي بالدرعية، وأزاح الستار عن لوحة تذكارية بعنوان الدرعية التاريخية موقع تراث عالمي.
وفي النهايه :
برنامج تطوير الدرعية التاريخية يمثل نقلة نوعية في الحفاظ على التراث الوطني وتعزيز السياحة الثقافية في المملكة. من خلال رؤية متكاملة وشاملة، يسعى البرنامج إلى إعادة إحياء الدرعية كرمز تاريخي وثقافي، ووجهة سياحية عالمية، فهل سيستمر هذا المشروع في تحقيق أهدافه الطموحة، ويساهم في تحقيق رؤية السعودية 2030؟











