الفئران تقوم بـ الإسعافات الأولية لإنعاش أقرانها فاقدي الوعي
في تطور لافت، أظهرت دراسة حديثة أن بعض الفئران تبدي سلوكًا يشبه الإسعافات الأولية لإنعاش أقرانها فاقدي الوعي، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم السلوك الاجتماعي لدى الحيوانات، حيث لوحظت هذه القوارض وهي تقوم بلمس وعض وسحب ألسنة أقرانها في حالة الغيبوبة، وهو ما دفع الباحثين إلى تحديد مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن هذا السلوك الغريزي.
سلوك الرعاية في المملكة الحيوانية
تشير النتائج إلى أن الدافع الفطري لدى الحيوانات لمساعدة الآخرين في أوقات الشدة قد يكون أكثر انتشارًا مما كان يُعتقد سابقًا، إذ توجد بالفعل أدلة متناقلة تشير إلى سلوكيات رعاية مماثلة، تتضمن اللمس والتنظيف والدفع، وأحيانًا الضرب، في مختلف أنحاء المملكة الحيوانية، وقد لوحظ هذا السلوك على سبيل المثال في الفيلة والشمبانزي والدلافين، مما يبرز أهمية دراسة هذه الظواهر لفهم أعمق للطبيعة الاجتماعية للحيوانات.
في حين أن هذه الإجراءات قد تذكرنا باستجابات الإنسان في حالات الطوارئ المماثلة، إلا أنه كان من الصعب تحديد طبيعتها الحقيقية في الحيوانات، أو معرفة مدى انتشارها والآليات التي تدعمها، الأمر الذي استدعى إجراء المزيد من البحوث والدراسات المتخصصة.
الدراسة الجديدة: استخدام فئران المختبر
في الدراسة الجديدة، سعى الباحثون للإجابة عن هذه الأسئلة باستخدام فئران المختبر، حيث قاموا بتعريضها لأفراد مخدرين وغير مستجيبين، مع تصوير وتسجيل ردود أفعالها، وذلك بهدف تحليل سلوكياتها وتحديد العوامل المحفزة لها.
عندما واجهت الفئران شريكًا مألوفًا في حالة فقدان الوعي، أظهرت سلوكيات مميزة جدًا تجاهه، وتصاعدت هذه السلوكيات بشكل عام من إجراءات أكثر لطفًا مثل الشم والتنظيف إلى سلوكيات أكثر قوة مثل عض الفأر الآخر أو سحب لسانه إلى الخارج، مما يشير إلى وجود استجابة متدرجة ومنظمة لحالة الطوارئ.
نادرًا ما شوهدت هذه الإجراءات عندما كان الشريك نشطًا أو نائمًا، وتوقفت بمجرد استعادة نشاطه، وكانت تميل إلى أن تكون أكثر وضوحًا عندما كان الفأران مألوفين لبعضهما البعض، مما يؤكد على أهمية العلاقة الاجتماعية في تحفيز هذا النوع من السلوك.
خلال تفاعلات مدتها 13 دقيقة، أمضت الفئران أكثر من 47 بالمائة من وقتها، في المتوسط، في التفاعل مع نظرائها غير المستجيبين، وفي المقابل، تم تخصيص 5.8 بالمائة فقط من وقتهم للشركاء النشطين، مما يدل على التركيز الكبير على مساعدة الفئران المحتاجة.
لوحظت الإجراءات الموجهة نحو الفم أو اللسان في جميع الحالات، وفي 50 بالمائة من الوقت، تمكنت الفئران بنجاح من سحب لسان شريكها غير المستجيب، كما لو كان لمنع انسداد المسالك الهوائية، وفي أحد الاختبارات، التي تضمنت وضع جسم غريب في فم الحيوان فاقد الوعي، نجحت الفئران المعتنية في إزالة الجسم بنسبة 80 بالمائة من الوقت، مما يظهر مهارة وقدرة على التدخل الفعال.
والأكثر من ذلك، يبدو أن هذه الجهود قد نجحت، إذ وجد الفريق أن الفئران التي تم الاهتمام بها استيقظت واستعادت القدرة على المشي أسرع من تلك التي لم يتم الاهتمام بها، مما يؤكد على الأثر الإيجابي لهذه الإسعافات الأولية على تعافي الفئران.
وكتب الفريق في دراستهم: “تشير العواقب – بما في ذلك إزالة الأجسام الغريبة من الفم، وتحسين فتح مجرى الهواء، وتسريع التعافي – إلى جهود شبيهة بالإنعاش”، مما يعزز فكرة أن هذه السلوكيات تهدف إلى إنقاذ حياة الفئران.
تحديد الخلايا العصبية المسؤولة عن سلوك الإنعاش
تم الإبلاغ عن نتائج مماثلة في ورقة مصاحبة، وكذلك في دراسة ثالثة في الشهر الماضي، مما يزيد من قوة الأدلة على وجود هذا السلوك لدى الفئران.
تمكن الباحثون أيضًا من تحديد القوة الدافعة وراء هذا السلوك، وتحديد الخلايا العصبية التي تطلق الأوكسيتوسين في اللوزة الدماغية ومنطقة ما تحت المهاد التي تثيره، مما يوفر فهمًا أعمق للآليات العصبية التي تتحكم في هذا السلوك.
سيكون من السهل هنا إضفاء الطابع الإنساني وتسمية محاولات الإنعاش بالقوارض الإنعاش القلبي الرئوي، ولكن من المهم عدم المبالغة في إسناد النية إلى الحيوانات، ومع ذلك، لا تزال لمحة رائعة عن سلوك الحيوان.
ويختتم الباحثون: “تشير نتائجنا […] إلى أن الحيوانات تظهر استجابات طارئة شبيهة بالإنعاش وأن مساعدة أعضاء المجموعة غير المستجيبين قد يكون سلوكًا فطريًا موجودًا على نطاق واسع بين الحيوانات الاجتماعية”، ويضيفون: “من المحتمل أن يلعب هذا السلوك دورًا في تعزيز تماسك المجموعة وبقائها”، مما يسلط الضوء على الأهمية التطورية لهذا السلوك.
نُشرت الدراسة في مجلة ساينس، وهي مجلة علمية مرموقة، مما يزيد من مصداقية النتائج وأهميتها.
تكشف هذه الدراسة المثيرة للاهتمام عن سلوك فطري لدى الفئران يشبه الإسعافات الأولية البشرية، مما يسلط الضوء على الدافع الفطري لمساعدة الآخرين في محنتهم، وإن تحديد الخلايا العصبية المسؤولة عن هذا السلوك يفتح آفاقًا جديدة لفهم السلوك الاجتماعي والتعاوني في الحيوانات، وقد يكون له آثار على فهمنا للتعاطف والسلوك الاجتماعي لدى البشر أيضًا.