مستقبل استزراع الأسماك في السعودية: رؤية نحو الأمن الغذائي والاستدامة
استزراع الأسماك في السعودية يمثل استثمارًا استراتيجيًا لتعظيم الاستفادة من موارد المملكة الطبيعية، وتعزيز الأمن الغذائي. يشمل ذلك الاستزراع المائي، الذي يعني إنتاج الأحياء المائية المتنوعة كالأسماك، والقشريات، والطحالب، وغيرها، في بيئات مُحكمة تخضع لرقابة صارمة، وتتوافق مع المعايير القياسية للعمليات الإنتاجية.
الاستزراع المائي المستدام يرتكز على ممارسات تضمن استمرارية الإنتاج بطرق فعالة اقتصاديًا ومسؤولة بيئيًا، وينقسم إلى قسمين: الاستزراع في المياه الداخلية عبر مزارع خاصة، والاستزراع في مياه البحر المالحة باستخدام أقفاص عائمة.
تنظيم قطاع استزراع الأسماك في السعودية
في عام 1408هـ/1987م، صدر نظام صيد واستثمار وحماية الثروات المائية الحية في المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية بقرار من مجلس الوزراء، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات السمكية وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.
كما وُضع استغلال الثروة السمكية في إطار تنظيمي وإداري يهدف إلى الاستفادة المثلى منها لزيادة الناتج المحلي الإجمالي. وقد وافق مجلس الوزراء على إنشاء البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة الحيوانية والسمكية، الذي تديره وزارة البيئة والمياه والزراعة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، كاستراتيجية وطنية شاملة لتطوير القطاع وتعزيز دوره الاقتصادي والتنموي.
في عام 1433هـ/2012م، أُطلقت المبادرة السابعة لتنمية قطاع الثروة السمكية، وهي خطة شاملة من صندوق التنمية الزراعية ووزارة الزراعة (وزارة البيئة والمياه والزراعة حاليًا). هدفت المبادرة إلى إنشاء كيان لتسويق وتوزيع المنتجات السمكية، بهدف تقليل التكاليف، والحد من التنافس في الأسواق الخارجية، والحفاظ على الجودة العالية التي توفرها البيئة السعودية.
تطوير قطاع الثروة السمكية والاستزراع المائي
يعمل البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة الحيوانية والسمكية على دعم جهود الاستزراع المائي وتطويره على المدى الطويل، لزيادة مساهمته في الناتج الوطني. بدأ الاستزراع المائي في المملكة بناءً على توصيات من هيئات دولية، كجزء من دراسة حول وضع الثروة السمكية في المملكة.
إنشاء مركز أبحاث الثروة السمكية
تعاونت المملكة مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) لإنشاء مركز المزارع السمكية بجدة (مركز أبحاث الثروة السمكية حاليًا) عام 1402هـ/1982م. هدف المركز إلى دراسة الأنواع المحلية المناسبة للاستزراع المائي، وإدخال تقنيات التفريخ والاستزراع، وتدريب الكوادر الوطنية. في مايو 2020م، أنتج المركز 150 ألف يرقة من أسماك البلطي البحري، ووزعها على مشاريع الاستزراع المائي.
تعزيز الصادرات السمكية
أضاف الاستزراع قيمة كبيرة لموارد المملكة وساهم في تحقيق أهدافها في قطاع الثروة السمكية، حيث أصبحت الصادرات السمكية من بين الأعلى. باتت المملكة من المصدرين الرئيسيين للروبيان الأبيض عالميًا، بإنتاج وصل إلى 60 ألف طن في عام 2018م، منها 50 ألف طن صُدرت إلى أكثر من 32 دولة. وتستهدف وزارة البيئة والمياه والزراعة الوصول إلى إنتاج 600 ألف طن من مختلف الأنواع البحرية بحلول عام 2030م.
تمويل مشاريع الاستزراع السمكي في السعودية
يقدم صندوق التنمية الزراعية قروضًا تمويلية لمشاريع الاستزراع المائي، لتعزيز الاستثمارات في هذا القطاع. تصل قيمة القرض إلى 70% للمشاريع التي تعتمد على التقنيات الحديثة، وتشمل الأقفاص العائمة، ومفرخات الأسماك، واستزراع الروبيان، ونظام الأكوابونيك، وتربية الأسماك في المياه الداخلية بالأنظمة المغلقة. يستفيد من هذا التمويل كل من الشركات، الأفراد، والجمعيات التعاونية المتخصصة.
خدمات الاستزراع المائي
تشمل خدمات الاستزراع المائي المتاحة في الصندوق تربية الروبيان، وتربية الأسماك بنظام الأقفاص العائمة، وإنتاج السمك وبيض الكافيار، وتربية الأسماك بنظام المسيجات، بالإضافة إلى مشاريع مفرخات الأسماك والروبيان.
في عام 1441هـ/2020م، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة خدمة دعم الاستزراع السمكي عبر منصة زراعي الإلكترونية، بهدف المحافظة على الثروة السمكية وتطويرها وحمايتها وضمان استثمارها. تتيح هذه الخدمة لشركات الاستزراع المائي الحصول على الدعم المالي المستحق ضمن برنامج الإعانات الزراعية.
مبادرات تطوير استزراع الأسماك في السعودية
أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة 5 مبادرات للاستزراع المائي ضمن برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، أحد برامج رؤية السعودية 2030.
تشمل هذه المبادرات:
- مبادرة جذب المستثمرين: تهدف إلى زيادة الاستثمار في قطاع الاستزراع المائي.
- مبادرة تطوير البنية التحتية لدعم التجمعات البحرية: تهدف إلى إيجاد بيئة استثمارية جاذبة وتوفير خدمات لوجستية متكاملة.
- مبادرة تطوير البنية التحتية لدعم الاستزراع المائي: تهدف إلى تهيئة البنية التحتية (المفارخ، مصانع الأعلاف، مصانع التجهيز) واستدامة صناعة الاستزراع المائي.
- مبادرة دعم البحث والتطوير لتحسين إنتاجية مصائد الأسماك: تهدف إلى إدخال أنواع جديدة من الأسماك ذات جدوى اقتصادية وتطوير أنظمة الأعلاف وضمان جودتها.
- مبادرة الحملات التسويقية: تهدف إلى التعريف بالفوائد الصحية والقيمة الغذائية للمأكولات البحرية، والحث على تناولها وزيادة استهلاك الفرد منها.
أبحاث الثروة السمكية والاستزراع المائي
يعمل مركز أبحاث الثروة السمكية بجدة على النهوض بقطاع الاستزراع المائي، من خلال البحوث والتطوير في مجال تربية الأحياء المائية البحرية الملائمة للاستزراع من الأسماك والروبيان، ونشر التطبيقات التقنية للاستزراع المائي، وتقديم البرامج التدريبية. يسعى المركز إلى أن يكون بحلول عام 2030م رائدًا في مجال الأبحاث التطبيقية لتعزيز المعرفة والازدهار الاقتصادي والتنمية المستدامة في المملكة.
أهداف مركز الأبحاث
يسعى المركز إلى تحقيق أهداف متعددة في تنمية قطاع الأسماك، من خلال تنفيذ برامج بحثية لتحديد الأنواع الاقتصادية من الأسماك والروبيان الملائمة للتربية والإنتاج التجاري في الظروف البيئية المحلية، وتقييم أنظمة الاستزراع السمكي المناسبة للتطبيق في مناطق مختلفة.
كما يعمل المركز على إجراء البحوث والدراسات الميدانية في مجال أمراض الأنواع المستزرعة من الأسماك والروبيان، وتزويد مشاريع الاستزراع السمكي باحتياجاتها من اليرقات والإصبعيات، وتقديم الإرشاد الفني وتقييم دراسات الجدوى لمشاريع الاستزراع المائي.
استزراع أسماك السبيطي
تمتلك المملكة مقومات ومزايا تجعلها من الدول المتقدمة في مجال الاستزراع السمكي، لذا يدعم صندوق التنمية الزراعية مشاريع القطاع للوصول بإنتاج المملكة من الأحياء المائية المستزرعة إلى 970 ألف طن سنويًا عام 2029م، في حين تستورد المملكة نحو ثلاثة أضعاف إنتاجها المحلي من الأسماك.
استزراع السبيطي كمشروع واعد
في عام 1440هـ/2019م، أعلنت وزارة البيئة والمياه والزراعة عن استزراع أسماك السبيطي من خلال المشروعات التجارية لإنتاج الأسماك بنظام الأقفاص العائمة، كنتيجة لمشروع الأبحاث التطبيقية من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، لتطوير قطاع الثروة السمكية بالاستثمار في الاستزراع السمكي وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير أسماك عالية الجودة، ودعم التنمية الاقتصادية.
الاستثمارات المتنامية في الاستزراع السمكي
يتوسع الاستزراع السمكي في المملكة، مدفوعًا بالعائدات الاقتصادية الكبيرة، ما يشجع على الاستثمار في هذا القطاع.
شراكات استراتيجية
في عام 1442هـ/2021م، وقعت شركتا نيوم وأسماك تبوك مذكرة تفاهم للتوسع في إنتاج الاستزراع المائي المحلي، وتطبيق تقنيات الجيل الجديد في منطقة نيوم.
يدعم هذا الاستثمار جهود المملكة في تطوير قطاع الاستزراع المائي، حيث تعمل مزرعة الأسماك المفرخة بقدرة إنتاجية تصل إلى 70 مليون زريعة، ما يجعلها الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على تحسين إنتاجية أنواع الأسماك المحلية في البحر الأحمر، لتحقيق هدف إنتاج 600 ألف طن من المنتجات السمكية بحلول عام 2030م.
الاستثمارات الدولية
دخل قطاع الأسماك في السعودية مرحلة جديدة من الاستثمارات الدولية، حيث وافقت الجهات الروسية في عام 1442هـ/2020م على دخول 3 شركات سعودية للاستزراع المائي إلى السوق الروسية، مع توقعات بتصدير نحو 10-15 ألف طن من الأسماك والروبيان سنويًا، بقيمة مبيعات تصل إلى 293 مليون ريال، إلى كل من: بيلاروسيا، أرمينيا، كازاخستان، وقيرغيزستان.
يُعد قطاع الاستزراع المائي من أسرع القطاعات الغذائية نموًا بمعدل 6% سنويًا، وتتمتع المملكة بموارد طبيعية وافرة على امتداد ساحل يبلغ طوله أكثر من 2,600 كلم، وقدرة استيعابية لـ5 ملايين طن من الأسماك.
الاستزراع السمكي في المدن الساحلية
يشهد الاستزراع المائي نشاطًا ملحوظًا في المدن الساحلية بالمملكة.
المنطقة الشرقية
في المنطقة الشرقية، تدعم مزارع الاستزراع السمكي السوق المحلي والأسواق العالمية بأكثر من 540 طنًا سنويًا من الأسماك، الروبيان، وبيض الكافيار. تحتضن مدن ومحافظات المنطقة الشرقية 29 مشروعًا للاستزراع السمكي، تسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030.
تحقق هذه المشاريع قيمة مضافة من عائدات الثروة السمكية، وتتوزع في الدمام، القطيف، حفر الباطن، والأحساء، بطاقة إنتاجية مستهدفة تصل إلى 1,270 ألف طن سنويًا من مختلف أنواع الأسماك والروبيان. حتى عام 1442هـ/2020م، بلغ عدد مشاريع الاستزراع السمكي 12 مشروعًا، بالإضافة إلى 14 مشروعًا في طور التشغيل.
منطقة تبوك
توجد استثمارات في الاستزراع السمكي أيضًا في منطقة تبوك، حيث تحتضن بحيرة الأسماك في الواجهة البحرية بضباء أكثر من 30 ألف سمكة من نوعي البلطي والدنيس، استُزرعت في محيط واجهة متنزه الأمير فهد بن سلطان البحري، بهدف التعريف بالاستزراع السمكي وأهمية الاستثمار في تربية الأحياء المائية التي يمكن السيطرة عليها تحت ظروف بيئية مناسبة.
إنتاج الأطعمة البحرية من ضوء الشمس
في عام 1443هـ/2021م، بدأت شركة البحر الأحمر للتطوير تجربة إنتاج الأطعمة البحرية من ضوء الشمس، باستخدام تقنيات مستدامة تعتمد على التركيز المكثف لثاني أكسيد الكربون، وهي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط. تتيح هذه التقنية للشركة إنتاج الأطعمة البحرية من ضوء الشمس في البيئة الصحراوية، وتحويل ضوء الشمس إلى منتجات بحرية، وتعزيز التنوع البيولوجي للمحيطات، وتوفير مصادر مستدامة للغذاء للسياح.
وفي النهايه :
يعكس التقدم في استزراع الأسماك في السعودية رؤية طموحة نحو تحقيق الأمن الغذائي المستدام وتنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية والاعتماد على أحدث التقنيات. ومع ذلك، هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من المنتجات السمكية، وهل ستتمكن المملكة من الحفاظ على التوازن البيئي في ظل التوسع المستمر في مشاريع الاستزراع المائي؟
